فيلم «سكوثي» للمخرج العراقي الروسي الشاب «رُستم مسافر»، الذي تعرضه 118 دار سينما في موسكو، اعتبره النقاد واحداً من أبرز فيلمين بمطلع العام. وفيما يتناول الفيلم الثاني، وعنوانه «وفاة ستالين»، أحداثاً غيّرت العالم في القرن العشرين، يتناول «سكوثي» أحداثاً غيّرت العالم عبر الألفيات. وفي «سكوثي» تختلط الأزمان والعقائد والأديان والبشر، وما فوق البشر حتى مرتبة الآلهة، والبشر الذين يتحولون بسحر ساحر إلى حيوانات يقطر الدم من أنيابها. وكأن الناس الحاليين ينتسبون إلى تاريخ اللاتاريخ، يتخاصمون فيه، ويتقاتلون، ويخون بعضهم بعضاً في كل شيء. وعندما سُئل «مسافر»، وهو أيضاً مؤلف قصة الفيلم، عمّا إذا كان للفيلم صلة بأحداث راهنة، ضحك وقال: «هذا ليس مهماً»، وأردف: «ربما يتناول المستقبل أيضاً»! و«سكوثي» أو «السكوثيون» قوم رُحّل من أصول إيرانية كانوا ينتشرون في القرن التاسع قبل الميلاد عبر المنطقة، ما بين غرب آسيا، وجنوب روسيا، وجنوب شرق أوكرانيا. ويجري تصوير الفيلم في ربوع منطقة «القرم»، حيث قامت إمبراطورية «سكوثي» التي امتدت حتى سوريا وفلسطين ومصر. ويورِدُ أقدم ذكر لهم المؤرخ الإغريقي «هيرودتس» الذي زار المنطقة، وتنقل عنه «الإنسكلوبيديا البريطانية» أنهم من أوائل من أتقن فنون ركوب الخيل، وكانوا يبثون الرعب والانبهار أينما حلوا. ويرجح مؤرخون قدماء أن «السكوثيين» قوم «يأجوج ومأجوج» الذين يرد ذكرهم في القرآن الكريم: «حَتَّى? إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ». واختلف النقاد في اعتبار «سكوثي» فيلماً تاريخياً أم «فنتازيا» خيالية أو مغامرات «أكشن». ويعتبره «مسافر» فيلم مغامرات، «فنتازيا» عن التاريخ، يختلط بالأساطير، ويتداخل فيه السكوثيين، والمسيحيون والوثنيون. وقصة الفيلم عن نبيل روسي يحاول العثور على زوجته ورضيعها، اللذين اختطفهما «سكوثيون»، ويخوض غمار أحداث عنف دموية يمعن الفيلم في عرضها بشكل يصدم المشاهدين، ويبرره «مسافر» بأن «الفن والعنف مترابطان بشكل لا فكاك منه». وفي مقال مسهب عنوانه «مصاصو دماء وسط الروث يذبح بعضهم بعضاً»، ينتقد المؤرخ الروسي «كليم جوكوف» بقسوة تناول الفيلم تعاقب الألفيات وظهور «آسيا الأوروبية»، ويعتبر ذلك خلطاً لأحداث عشرة قرون قبل الميلاد بأحداث القرن العاشر الميلادي، ويتساءل: «كل شيء مفهوم، قصة فنتازية، لا تاريخ فيها من أي نوع، لكن هناك قواعد ما للفهم المهني، وأين منطق الحكاية، ولماذا السكوث بالذات؟». ويمكن العثور على جواب هذا السؤال في قول «تشيخوف»، أشهر المسرحيين الروس: «لو عُلّقت بندقية في الفصل الأول من المسرحية فستطلق النار بالتأكيد في الفصل الأخير». وبندقية «مسافر» فيلمه الأول «الهاربون» الذي قالت عنه ناقدة صحيفة «روسيسكايا غازيتا» إنه «استخدم اللايقين العلمي للكشف عن الفنتازيا وتصوير الحدود الغرائبية للتخوم بين الثقافات المتقاطعة». و«حاجتنا للتاريخ بكليته، لا لنستلقي عليه، بل لرؤية ما إذا كان بإمكاننا الهرب منه». قال ذلك الفيلسوف الإسباني «خوزيه أورتيغا غاسي»، وهذا هو التاريخ الذي يخترعه «مسافر» للهرب من تاريخ لم ينصف قوم أمه «القوزاق» البواسل الأشداء، الذين لعبوا أدواراً مشهورة في تاريخ روسيا، وقال عنهم «نابليون» عندما ساهموا في قهر جيوشه التي اجتاحت روسيا وملاحقتها حتى باريس: «لو كان عندي القوزاق لغزوت العالم». وذَكَر الأديب الفرنسي «ستاندال» أن «القوزاق أبرياء كأطفال وعظماء كآلهة». وهل أنصف التاريخ العراق، الذي ينتسب إليه والد المخرج «سلام مسافر» مقدم برنامج «قصارى القول» في الفضائية الروسية «آر تي»؟.. عثرت على الجواب في ظرافة الابن الموروثة عن أب لا يتردد في ذكر دعابة في لقاءاته حتى مع زعماء وكبار المسؤولين العرب. و«ليس البدن والدم، بل القلب هو الذي يجعلنا آباء وأبناء»، حسب الشاعر الألماني «شيلر».