رؤية جمهوريين محافظين فرحين بالرئيس دونالد ترامب باعتباره نجاحاً كبيراً في عامه الأول في السلطة، يخبرنا بالكثير عن حالة المذهب المحافظ ومستقبل الحزب الجمهوري، والواقع أن ثمة عنصرين في هذه المعاملة التبجيلية والاحتفالية: الأول هو الإشادة بالمكتسبات المحافظة على ما يفترض، والثاني هو الاستعداد لقبول مغالطات وهجمات على المعايير الديمقراطية ومنظومة القيم والمبادئ الأميركية، كما لو كانت هذه الأخيرة مسائل تتعلق بالأسلوب فقط. في ما يتعلق بالعنصر الأول، أصبح «المذهب المحافظ» هذه الأيام نسخة كاريكاتورية لنفسه، فخفض الضرائب الذي يوسّع العجز ويمنح الأغنياء مزايا كبيرة هو «فوز» و«شيء محافظ».. لأن النزعة المحافظة الحقة تقتضي أنه مهما تكن احتياجات اللحظة وكيفما يكن المشهد السياسي، فإن أولى الأولويات هي حرمان الحكومة من مداخيل؟ والحال أن خفضاً للضرائب منفصلاً عن أهداف معقولة لا علاقة له بالمذهب المحافظ، والعجز واتساع التفاوت في الدخل لا ينبغي أن يكون مدعاة للاحتفال. وبالمثل، فإن إنكار تغير المناخ أو وصف كل إلغاء للقوانين والتنظيمات بـ«المحافظ» لا يفاجئنا باعتباره دليلاً على حكومة متواضعة قائمة على الحقيقة. باختصار: فإن معظم الهتاف والفرح بـ«الأشياء المحافظة» يتحاشى التفاصيل، ويهمل الجوهر، ويتجاهل السياق، ولا شيء من ذلك مؤشر على فكر محافظ. فليس من المحافظة في شيء تفضيل إلغاء كل شيء فعله الرئيس باراك أوباما من دون مراعاة لتغير الظروف أو البدائل، فهذا لا يجعل تركة أوباما السياسية رائعة، ولا يجعل من يدعون إلى تدميرٍ أعمى من دون بدائل منطقية أشخاصاً محافظين. وإلى ذلك فإن سياسات الرئيس الساعية إلى حظر دخول المسلمين، وتفريق شمل العائلات، والازدراء بأولويات الشرطة المحلية، ومعاملة القادمين من بلدان فقيرة باعتبارهم أشخاصاً غير مرغوب فيهم، وبناء جدار عديم الجدوى.. كلها أمور تنم عن كره للهجرة لا علاقة له بالنزعة المحافظة، فالوسائل التي لا تحترم القيم التي كان يعتز بها المحافظون ويتمسكون بها (الأسواق الحرة، والنظام الفدرالية، ووحدة العائلة) ليست مدعاة للاحتفال. وإذا كان المحافظون يعتقدون أن إنجازات ترامب محافظة، فإن المحافظة في تلك الحالة تحولت إلى شيء غريب بالنسبة لمن أمضوا عقوداً في الدفاع عن فلسفةِ حُكمٍ تقوم على فكرة الفرص للجميع، وأدب الأخلاق، والنظام الفيدرالي، وحكم القانون، والأسواق الحرة، وحكومة محدودة الحجم والدور، ويمكن القول إن «إنجازات» ترامب هي نسخة مبسطة جداً وتشويه للسياسات المحافظة التي تقتضي من المرء تجاهل جوهر ما حققه. لكن أكثر من الاحتفاء برؤية مشوهة للمذهب المحافظ، يريدنا المدافعون اليمينيون أن نتعامل مع الهجمات على المعايير الديمقراطية وعدم الصدق وازدراء المؤسسات، باعتبارها مسائل أسلوب فقط. والحال أنه إذا وضع المرء العنصرية في مرتبة بعيدة في أسفل قائمة الأولويات لدرجة أنها بالكاد تستحق منا اندهاشاً، فإنه يصبح مساعداً للعنصرية، وإذا قلّل من مغالطات متعمدة ومتكررة بدعوى أنها محرجة، يصبح مساعداً للكذب في تلك الحالة، وداعماً للهجمات على الحقيقة الموضوعية. وأخشى أن الحزب والمدافعين عن ترامب الذين يلوحون بالانتماء المحافظ قد فقدوا البوصلة وحادوا عن الطريق. ذلك أنهم لم يعودوا يفكرون بشكل عميق في جوهر السياسات وتأثيراتها، ولعل الأسوأ أنهم قلبوا ترتيب الأولويات التي كانوا يدافعون عنها. ذلك أن الأشياء الأهم، أي المعايير الديمقراطية والحقيقة الموضوعية، لم تعد أولويات بالنسبة للكثيرين. جينفر روبن كاتبة أميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»