أعلنت كوريا الشمالية مؤخراً أنها ستشارك في الألعاب الأولمبية الشتوية التي ستنظم في البلد الجار والمنافس كوريا الجنوبية؛ وتحديداً في مدينة بيونج تشانج وهو ما يمثل مفاجأة سارة على اعتبار أنه حتى الأمس القريب لم نكن نسمع سوى التهديدات بالحرب بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة. كما أجريت اتصالات بين الكوريتين بشكل مباشر، وإنْ كانت غير موجودة رسمياً. وهكذا، شكّلت الألعاب الأولمبية، في نهاية المطاف، أداة دبلوماسية مذهلة من حيث إنها وفّرت ذريعة للتقارب، الذي ما كان سيكون ممكناً ولا قابلاً للبيع سياسياً بطريقة أخرى، سواء في الكوريتين أو في الولايات المتحدة. ولكن ماذا يمكن للبلدان أن تجني من وراء ذلك؟ كوريا الجنوبية يفترض أن تكسب الأمن لألعابها الأولمبية، التي كانت مهددة حتى الأمس القريب. ثم إن هذا يُعد نجاحاً شخصياً للرئيس الكوري الجنوبي الذي كان دائماً يدعو إلى الحوار. وربما من المفيد هنا التذكير بأن الألعاب الأولمبية الصيفية لعام 1988، التي نُظمت في سيؤول، قوطعت من قبل كوريا الشمالية. ومن جهة أخرى، تبدو كوريا الجنوبية عالقة اليوم. ذلك أنها، من جهة، لا تستطيع التخلي عن علاقاتها مع الولايات المتحدة، حليفها الأساسي؛ ولكن، من جهة أخرى، يريد الرئيس «مون جاي إن» خفض التوتر مع كوريا الشمالية، ويرى أن ترامب يصب الزيت على النار بتصريحاته غير الموفقة. أما في ما يتعلق بكوريا الشمالية، فإنها ستحاول الاستفادة من الألعاب في التأكيد على طابعها العادي، وسيرغب رئيسها في أن يُظهر لشعبه أنه، في النهاية، محل احترام ومقبول من العالم بأسره. وفضلاً عن ذلك، فإن كوريا الشمالية في حاجة للخفض التوتر، لأنها الآن وقد باتت مؤمَّنة، وفق معاييرها الخاصة، بترسانتها النووية وترى أنها لم تعد تواجه خطر إسقاط النظام بالقوة، فإن بإمكانها أن تبدي بعض الانفتاح، وترغب في إقامة حوار مباشر مع كوريا الجنوبية في نهاية المطاف، من دون المرور عبر الولايات المتحدة، وإنْ كان الهدف النهائي، من وجهة النظر الكورية الشمالية، هو الحصول على حوار مباشر مع الولايات المتحدة. هذا التقارب بين الكوريتين يأتي في وقت يعاد فيه فتح الملف الصعب جداً المتعلق بـ «نساء الراحة»، والمقصود بهن أولئك النساء اللاتي أُرغمن على الدعارة من قبل الجيش الياباني إبان الحرب العالمية الثانية، وهو ما يزيد من التوتر مع طوكيو. وبالتالي، فإن سيؤول تحاول لعب لعبة معقدة تقوم على إبداء آرائها ومواقفها إزاء اليابان، ولكن أيضا إزاء الولايات المتحدة، وعدم السماح لهذه الأخيرة بإملاء المناورات العسكرية المهمة بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة، التي لم تُلغ، وإنما أُرجئت فقط إلى ما بعد الألعاب الأولمبية. وبهذه الطريقة، يكون الجميع قد حافظ على ماء الوجه؛ إذ يمكن لكوريا الشمالية أن تقول إن المناورات لن تجرى قبل الألعاب الأولمبية بينما تستطيع كوريا الجنوبية القول إنها لم تُلغ. غير أنه لا بد من الانتظار لمعرفة ما إن كانت هذه المناورات العسكرية ستكون بنفس الحجم الذين كانت عليه في الماضي أم سيتم تقليصها قليلاً. كل هذا يذكّرنا طبعاً بـ«دبلوماسية كرة الطاولة». فنحن نتذكر فريق كرة الطاولة الأميركي الذي أتى إلى الصين في إطار جولة في آسيا، والذي استُقبل من قبل رئيس الوزراء تشو إن لاي، ثم عاد محمّلاً برسالة تقدير إلى الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون، وذلك في لحظة كان يدور فيها الحديث عن حرب نووية بين الولايات المتحدة والصين. وقتها، لعبت الرياضة دورها كأداة ساعدت على التقارب، ولم يحمّل أحد المسؤولية بسبب فشل مهمة لاعبي كرة الطاولة. والشيء نفسه تقريباً يحدث هنا اليوم، إذ يدور الحديث عن مصالحة من خلال الألعاب الأولمبية؛ وفي حال فشل ذلك، فإن سيادة الدولة لن يلحقها أي ضرر. وهكذا، فإننا نرى بوضوح دور «الدبلوماسية مزدوجة المسار»، دبلوماسية تستطيع أن تلعبها الرياضة. ولكن هذه الأخيرة ليست عصا سحرية قادرة على اجتراح المعجزات. فكون الوفدين الكوريين سيسيران معاً تحت علم واحد في حفل الافتتاح، مثلما حدث في 2000 في سيدني، وفي 2004 في أثينا، وفي 2006 في تورينو، لن يعني إعادة الوحدة. إذ حتى في حال سار رياضيو الكوريتين معاً في موكب واحد يوم الافتتاح في التاسع من فبراير، فإن الصعوبات والخلافات ستبقى، لأن كوريا الشمالية ستظل بلداً نووياً، لأنها ترى في السلاح النووي بوليصة تأمين على حياة نظامها. ولا يسعنا، والحالة هذه، إلا أن نأمل أن تكون هناك مناسبات كثيرة لالتقاط الصور، وتقارب شفهي على الأقل، وخفض للتوتر. وبالتالي، فإن الرياضة بكل تأكيد ليست عصا سحرية، وإنما أداة دبلوماسية تستطيع، إنْ أجيد استخدامها، السماح بسلام حقيقي بين الكوريتين، أو على الأقل بهدنة يؤمل أن تكون طويلة.