يتزامن الاحتفال بمئوية الشيخ زايد ـ يرحمه الله ـ هذا العام، مع اليوبيل الذهبي للأرشيف الوطني، وهو بلا شك مسجل للأحداث منذ إنشائه، وجامع لوقائع تاريخ المنطقة، وهذا الصرح الوثائقي والتاريخي هو نتاج وعي زعيم سابق عن عصره بمراحل، ليس لأن الأرشيف مثّل لحظة ميلاده ذاكرة للإمارات والدول الخليجية فقط، ولكن لأن حكمة الشيخ زايد ورشده أسهما في حفظ تاريخ المنطقة، وبذاك أبعداه عن الضياع من الناحية التوثيقية، وها نحن ـ باحثين وقراء من المنطقة والعالم ـ نشدّ الرحال إليه من أجل تحصيل زاد تاريخي موثق عن الإمارات وكل دول مجلس التعاون الخليجي.. إنه أرشيف يستند إلى حقائق تاريخية تحمي الذاكرة الجماعية من النسيان، وإصداراته تعد مراجع أساسية لا غنى عنها للباحث والقارئ، ذلك لأنها تساعد على الاهتداء بالتاريخ في ظلمة أيام الشك والتيه، التي تطغى على حاضرنا. خلال العقود الخمسة الماضية اكتسب الأرشيف الوطني في أبوظبي، تجربة واسعة، سواء من ناحية تفعيله في السنوات الأولى لإنشائه عام 1968، أو بتعميق دوره في محطات انتقاله الكبرى، أو تحوله منذ 2014 إلى ذاكرة حاضرة من خلال ما ينتجه كل يوم من مؤلفات، وما يقيمه من ندوات ومؤتمرات، مُجسِّداً في كل مراحله أهدافه، التي حددت من طرف القائد المؤسس، وهي:«جمع الوثائق والمعلومات عن تاريخ شبه الجزيرة العربية وثقافتها عامة، ودولة الإمارات العربية المتحدة خاصة، من مصادرها الأصلية في البلاد العربية والأجنبية، وتوثيقها، وترجمتها»، ويعمل كل سنة على تطويرها بما يحقق شروط التقدم العلمي في مجال الأرشيف وجمع الوثائق من جهة، وبما يخدم السياسة العامة لدولة الإمارات العربية المتحدة، حيث الحضور الواعي للدرس التاريخي. لقد تطوَّر الأرشيف الوطني، لدرجة جعلته يتجاوز ــ تصوراً وتنظيماً وإدارة وأبحاثاً ـ كثيراً من المكتبات الخاصة بالوثائق في عدد من الدول العربية، وهو اليوم يُضاهي أرشيفات الدول المتطورة، وحقق موقعاً متميزاً على صعيد المؤسسات المماثلة في الشرق الأوسط والعالم؛ لاعتماده على قاعدة تكنولوجية حديثة في تنفيذ مهامه.. وحضوره الدائم ومشاركته في المؤتمرات الدولية سواء المتعلقة بإدارة الأرشيف، أو بتصنيف الوثائق، أو بإصداره الدراسات والبحوث، واقتنائه لموادَّه الأرشيفية من مختلف أنحاء العالم، التي جمعها من مصادرَ: عربية، وأميركية، وبريطانية، وهولندية، وفرنسية، وألمانية، ويابانية، وعثمانية، وفارسية وبرتغالية، وروسية، وغيرها.. كل ذلك يؤكد على نجاحه وتألقه وأهميته محلياً وخليجياً وعربياً وعالمياً. ويعتبر الأرشيف الوطني اليوم أقدم وأغنى أرشيف عن الخليج العربي، ومن الناحية المرجعية يعدّ من أقدم المؤسسات الثقافية في دولة الإمارات العربية المتحدة، وأكبر مركز وثائق في منطقة الخليج العربي، وهو اليوم يمد المثقفين بإصداراته التي تجمع بين الأصالة والمعاصرة، وبين التراث والحداثة، فضلاً عن عمله في التوثيق والأرشفة، ويجمع المواد التاريخية النفيسة المتعلقة بدول الخليج العربي عامة، ودولة الإمارات العربية المتحدة خاصة، ويوثّقها ويترجمها، ويُعِدُّ البحوث التاريخية المتخصصة، وينشرها، ويعقد الندوات والمؤتمرات المحلية والإقليمية والدولية، ويشارك فيها، وينظم معارض تتعلق بدولة الإمارات العربية المتحدة داخل الدولة وخارجها. وبمناسبة يوبيله الذهبي، واعترافاً بحقه علينا، وما قدمه إلينا ـ خاصة نحن الإعلاميين والباحثين العرب ـ من الضروري إعادة ترتيب العلاقة معه على المستوى الإعلامي، بحيث يتركز اهتمامنا في المستقبل على كل نشاطاته، وخاصة إصداراته، وعليه هو الآخر أن يمدّ جسوراً نحو وسائل الإعلام، وتلك رسالة أخرى علينا أن نشترك معاً في توصيلها للقراء، وما هي بالمسألة الصعبة علينا وعليه.