العلاقات المتردية بين الولايات المتحدة وباكستان تتفاقم منذ وقت طويل جداً، لدرجة أن الخبراء أخذت تعوزهم الاستعارات والتعبيرات المجازية لوصفها: انفصال، وطلاق، والصديقان اللذان يطعنان بعضهما البعض في الظهر. وعندما زارت هيلاري كلينتون إسلام آباد كوزيرة للخارجية قبل بضع سنوات، سُئلتْ حول سبب تصرف أميركا مثل حماة مستاءة ومزعجة. وبالمقابل، نُقل مرة عن مسؤول أميركي قوله إن (الباكستانيين من الناس الذين قد يبيعون أمهم مقابل بضعة آلاف من الدولارات).. وكم كان ذلك مؤلما! هذه التشبيهات الشائعة تخفي وراءها الحقائق الأساسية. فالميثاق الذي يربط البلدين دمّر بلداً آخر يدعى أفغانستان، مرتين. ذلك أن تدمير أفغانستان لم يبدأ بعيد 11 سبتمبر2001، مثلما يقول لنا معظم الخبراء؛ بل حدث أول مرة قبل 40 عاماً تقريباً، في 1979، عندما دخل رئيس أميركي وجنرالات باكستانيون إلى أفغانستان يدا في يد، مع أصدقائهم العرب حاملين حقائب مملوءة بالدولارات، والحلم يحدوهم في إلحاق الضرر بالاتحاد السوفييتي ودحر الشيوعية. هدفهم المعلَن كان تحرير أفغانستان من الغزو السوفييتي؛ ولكن كان من نتائج ذلك أن أكثر من جيلين من الأفغان لم يروا شيئاً غير الحرب. وبعد كل هذه السنوات من لي الأذرع والمغازلة السرية من قبل الولايات المتحدة، يقول الرئيس الأميركي الحالي إن أميركا كانت غبية حين منحت باكستان مليارات الدولارات لأنها لم تلق منها سوى الخداع بالمقابل. وهكذا، قررت إدارة ترامب مؤخراً قطع مساعداتها عن باكستان بدعوى أنها لا تساعد في أفغانستان. ولكن ذلك لا يكن أقل سوء من منح باكستان مساعدات لأنها تساعد في أفغانستان: فالحرب ستستمر تحت ادعاءات باطلة. وكل ما هناك أن دونالد ترامب يختبئ خلف أسطورة البراءة الأميركية – تماماً مثلما تسوّق باكستان لخداعها بالمصلحة الاستراتيجية. خلال هذه العقود الأربعة، أقنعت المؤسسة العسكرية الباكستانية البلاد بأن حرباً دائمة ليست شيئاً سيئاً في النهاية. ولا يهم قول الخبراء إن باكستان باتت على وشك أن تصبح مثل أفغانستان – وهي إهانة أخرى، تُغضب البلدين معاً. والواقع أن باكستان لم تدفع الثمن من حيث الدماء والأرواح فحسب، في وقت فجّرت فيه «طالبان» باكستان المدارس والمساجد والكنائس واغتالت سياسيين بارزين، وإنما اكتسبت أيضاً عقلية جديدة تطبِّع مع المذابح الصغيرة، بل تمجّدها. فالمذبحة الجماعية لأطفال المدارس توصف بأنها تضحية جماعية؛ والمدنيون الذين يقضون في تفجيرات عشوائية يحتفى بهم باعتبارهم شهداء. والتأويل التكفيري المتشدد للإسلام، الذي استُورد من الخارج وجوِّد خلال الجهاد الأفغاني، أصبح مألوفاً لدرجة أن أي مواطن يعارض العنف الذي يُرتكب باسم الدين يسمى «عميلاً أميركياً» أو «كافراً». وفي الأثناء، يقول الأميركيون إن باكستان تلعب لعبة مزدوجة، ولكن ربما يجدر بهم رؤية الألعاب التي تلعبها باكستان مع مواطنيها. فالمؤسسة الباكستانية، سواء السياسية أو العسكرية، تسارع إلى الإشارة إلى تضحياتهم في الحرب على الإرهاب، فتقول لأميركا: انظروا إلى إصاباتنا، انظروا إلى خسائرنا الاقتصادية. ثم تستدير وتقول لشعبها إن «طالبان» ليست المشكلة، وإنما أميركا. وفي اليوم الذي يلي تبني المؤسسة الباكستانية لـ«طالبان»، تقول لأميركا: «تستطيعون استخدام قواعدنا لقصف طالبان، ولكن صه رجاء! لأننا قلنا لشعبنا إن «طالبان» هم أصدقاؤنا الحقيقيون. ورجاء لا تغضبوا علينا إذا قلنا لـ«طالبان»، الجيدين منهم، أن يحتموا عندما تقلع طائراتكم». ثم يقول بعض أعضاء «طالبان» الذين يهاجمون الدولة إنهم سيقفون وراء الجيش في حال تعرض باكستان لهجوم من قبل أميركا أو الهند. هذا الارتباك الإيديولوجي بلغ أوجه بعد قتل جنود أميركيين لأسامة بن لادن في 2011: فنحن لم نقرر بعد ما إن كان أسامة بن لادن هو الذي انتهك سيادتنا عبر الاختباء في باكستان، أم الأميركيين عبر قتله هناك. والناس يتساءلون ما إن كان الجيش الباكستاني متواطئا أم أنه يفتقر للكفاءة فقط. ولكن لما لا يمكن أن يكون الاثنان معاً؟ ولكن الباكستانيين الذين يسألون مثل هذه الأسئلة يشعرون بعزلة مستمرة؛ ذلك أن الجيش روّض البلاد وجعلها تقفز عبر الكثير من الحلقات النارية لدرجة أننا بتنا نتقبل في دواخلنا فكرة حرب بلا نهاية. ثم إن الجيش الباكستاني يعتقد أن أميركا لا تستطيع الفوز في الحرب في أفغانستان من دون مساعدته. فالمؤسسة الأمنية ما زالت تؤمن بالوهم القديم، وهم السيطرة على أفغانستان من خلال وكلاء، وإنْ كانت لا تعرف ماذا تفعل مع وكلائها، السابقين والحاليين. وعلى غرار باكستان، فإن أميركا مدمنة على هذا النزاع. فهذه «فيتنام» مستمرة، حرب أخرى ضرورية لوجود أميركا كقوة عالمية. محمد حنيف: كاتب وروائي باكستاني ينشر بترتيب خاص مع خدمة نيويورك تايمز