يشير قرار الرئيس دونالد ترامب الأسبوع الماضي بوقف جميع المساعدات الأمنية إلى باكستان، والذي سرعان ما أتبعه اتهامه بأن باكستان «لم تعطنا أي شيء سوى الأكاذيب والخداع»، إلى أن إدارته تنفذ نهجاً متشدداً أنذر به الرئيس في أغسطس الماضي. وفي 4 يناير الجاري، أكدت وزارة الخارجية على تعليق المساعدات الأمنية، بما في ذلك «تمويل دعم التحالف» المخصص لتمويل نفقات باكستان في عمليات مكافحة الإرهاب، وبرنامج التمويل العسكري الأجنبي، الذي يدفع ثمن شراء المعدات العسكرية الأميركية، والخدمات والتدريب. ومن المتوقع أن يؤثر القرار على المساعدات السنوية التي تبلغ قيمتها 1.3 مليار دولار. وفي حين أنه قد يكون من المقنع من الناحية الشعورية معاقبة بلد قيل إنه ظل يدعم أعداء أميركا في أفغانستان طوال 16 عاماً الماضية، فإنه من غير المرجح أن ينجح نهج الإدارة. فباكستان لديها نفوذ علينا أكثر مما يتصور كثيرون. وتكمن مفاتيح فهم سياسة باكستان والقيود المفروضة على الخيارات الأميركية، في الجغرافيا والتاريخ. فجغرافياً، تعد باكستان جزءاً لا يمكن الدفاع عنه نسبياً، ويقع على جانبي نهر السند، مع السهول المسطحة في الشرق والتحصينات الجبلية التي تسكنها قبائل معادية في الغرب. هذه الجغرافيا الهشة ما كانت لتهم لولا تاريخ باكستان الطويل من العداوة تجاه جارتها الأكبر بكثير، أي الهند. ومنذ تأسيسها في عام 1947، عرفت باكستان نفسها كدولة وطنية في مواجهة الوحش الهندي في الشرق. ويخشى الباكستانيون منذ فترة طويلة احتمال تحرك الدبابات الهندية دون عائق من سهول البنجاب الهندي المجاورة إلى لاهور وما بعدها. وقد لا نتفق مع الطريقة التي تقيِّم بها باكستان التهديد القادم من الهند، لكن من واقع خبرتي، فإن جميع الباكستانيين تقريباً يعتبرون الهند تهديداً وجودياً. وخلال الثمانينيات، وجدت الولايات المتحدة أنه من المناسب دعم بعض هؤلاء الوكلاء ضد السوفييت في أفغانستان. وانتهت تلك السياسة في عام 1989 مع انتهاء الغزو السوفييتي لأفغانستان. وبموجب تعديل بريسلر لعام 1990، عاقبنا باكستان بسبب قيامها بتطوير أسلحة نووية، وذلك بقطع المساعدات الأمنية. لكن باكستان لم تلجأ إطلاقاً إلى الخيار السهل، وهو التخلي عن المسلحين الأفغان. وواصلت السماح لـ«طالبان» بالعمل من أراضيها، وكانت في اللحظات الحرجة تقدم دعماً هادئاً. وتفسر الجغرافيا أيضاً مخاوف باكستان الأمنية، فعلى مدى 16 عاماً الماضية كانت جهودنا العسكرية في أفغانستان تعتمد على المرور عبر الأراضي الباكستانية والتحليق فوقها. وفي غياب ترتيب مماثل مع إيران، لم تكن الخيارات الأخرى جيدة، فتقديم الإمداد عبر دول آسيا الوسطى إلى الشمال ممكن نظرياً، لكنه سيعتمد على حسن النية الروسية. وهكذا فمن دون التعاون الباكستاني، يكون جيشنا في أفغانستان معرضاً لخطر أن يصبح محاصراً وغير قادر على الحركة. وكان الحل الأميركي يتمثل في تقديم المساعدات لباكستان، بدءاً من إدارة بوش في 2001. وسعت الولايات المتحدة لتعويض باكستان عن نفقات دعم حربنا في أفغانستان. ومن وجهة نظر الباكستانيين، أصبح هذا ثمن حربهم ضد الإرهاب المحلي، الذي كلف بلادهم 50 ألف حالة وفاة ومليارات لا يمكن حصرها، وكان يُنظر إليه على نطاق واسع باعتباره صفقة سيئة. ورغم ضخ نحو مليار دولار سنوياً من المساعدات الإنمائية خلال إدارة أوباما، لم يمنح المال الولايات المتحدة النفوذ المطلوب. ولم يقتنع الجنرالات الباكستانيون الذين يديرون سياسة أفغانستان من مقارهم في روالبندي، بأن عليهم الاختيار بين علاقتهم بالولايات المتحدة وعلاقتهم بـ«طالبان». كان الجنرالات يعلمون أنه طالما كانت الولايات المتحدة تحتفظ بجيش في أفغانستان، فستكون أكثر اعتماداً على باكستان من اعتماد باكستان عليها. وقد أدى هذا الانفصال بين واشنطن وروالبندي إلى تراجع العلاقات الأميركية الباكستانية. والحقيقة المرة هي أن النفوذ الأميركي على روالبندي وإسلام أباد آخذ في الانخفاض. وبينما انخفضت المساعدات الأميركية زادت المساعدات المقدمة من الصينيين. فقد استثمرت الصين نحو 62 مليار دولار في البنية التحتية الباكستانية في إطار الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان، والذي يعد أحد عناصر مبادرة «حزام واحد، وطريق واحد». لذا فإن أهميتها وتحويلها لأجزاء من باكستان يقزم أي شيء قامت به الولايات المتحدة على الإطلاق. وبالتالي، فإنه من غير المرجح أن تنجح محاولة إدارة ترامب معاقبة باكستان. إن باكستان، شأنها في ذلك شأن معظم البلدان، ترد بالرفض مع المحاولات الرامية للي ذراعها. والمرجح أن ترد بإظهار قدرتها على تقويض موقفنا في أفغانستان. وهناك نهج أفضل يتمثل في إبلاغها، وعلى أعلى المستويات ودون غموض، بأن الطريقة الوحيدة للحفاظ على العلاقة مع الولايات المتحدة هي قطع جميع الصلات مع «طالبان». *سفير الولايات المتحدة السابق في باكستان --------------------------------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»