نزل الإيرانيون إلى الشوارع على نطاق واسع لم يحدث منذ نحو عقد من الزمان. وعلى مدى الأيام الست الماضية، شهدت العديد من المدن والبلدات مظاهرات، بدءاً من مدينة «مشهد» (ثاني أكبر المدن الإيرانية)، وحتى المراكز الإقليمية النائية وأحياء الطبقة العاملة في طهران. وقد قُتل ما يزيد على 20 شخصاً حتى الآن. وليس لدينا وسيلة لمعرفة كيف ستنتهي هذه الاحتجاجات، لكن يبدو أن الجيل الجديد من المتظاهرين -الذين قاموا بتمزيق ملصقات المرشد الأعلى «علي خامئني» وبالهجوم على مراكز الشرطة- قد عقد العزم بقوة. بيد أن الدولة الإيرانية مجهزة بجهاز عملاق من القمع الذي يستعد لسحق حتى أقل علامات المعارضة. ومهما كانت العواقب النهائية، فإن الموجة الحالية من الاضطرابات تعد بالفعل نقطة تحول مهمة في تاريخ إيران الحديث. فالأجيال السابقة من المتظاهرين كان لديها أمل في أن يتغير النظام الثيروقراطي من الداخل. وقد اعتقدت أنه من خلال التصويت للمرشحين الإصلاحيين، يمكن تدريجيا إقناع النظام بأن يكون أكثر انفتاحاً وديمقراطية. أما المتظاهرون الحاليون فتخلوا عن هذا الأمل. فما السبب؟ أحد الأسباب يتعلق بما يطلق عليه «الحركة الخضراء» لعام 2009. ففي ذلك الوقت، نزل مئات الآلاف من الإيرانيين إلى الشوارع فيما بدأ كاحتجاج ضد تزوير الانتخابات. وكان العديد من المتظاهرين قد أدلوا بأصواتهم لصالح المرشح الإصلاحي «مير حسين موسوي»، لكن الانتصار ذهب بدلاً من ذلك إلى «محمود أحمدي نجاد»، الذي قيل إن أنصاره من رجال الدين المحافظين قد غيروا النتائج لصالحه. وكان أعضاء المعارضة الموالية لموسوي -ومعظمهم من الشباب والطبقة المتوسطة- يأملون في أن يفتح توليه دفة السلطة حقبةً جديدةً من التحرير. لكن الإعلان عن فوز أحمدي نجاد أثبت أن عناصر النظام المتشددين لن يسمحوا بذلك. وأصبح المتظاهرون متطرفين، وينتقدون النظام بشدة، لذا فقد كان من المتوقع أن تكون حملة القمع التي أعقبت ذلك شرسة، حيث قتل بعض المتظاهرين، ولم نعرف حتى الآن كم هو العدد المؤكد للقتلى. كما تم اعتقال الآلاف أو تفريقهم في المنفى. وجاءت الضربة الثانية لحلم «البيروسترويكا الإيرانية» (البيروسترويكا: تعبير أطلق على حركة الإصلاح في روسيا في الثمانينيات) من الرئيس الحالي «حسن روحاني» الذي انتخب لأول مرة في عام 2013، ثم أعيد انتخابه العام الماضي، متظاهراً بأنه المرشح «الإصلاحي» الجديد. لقد فاز روحاني بالانتخابات من خلال الإيحاء للإيرانيين بوعود غامضة حول الإصلاح والتغيير. غير أنه فشل في الوفاء بوعوده. فقد كان من المفترض أن يكون الاتفاق النووي الإيراني مع الغرب، والذي خفف العقوبات المفروضة على طهران مقابل تأجيل برنامجها للأسلحة النووية، بداية لموجة جديدة من الازدهار، وهو ما لم يحدث. وروحاني نفسه أظهر بأن هذا الفشل كان خطأ إيران في المقام الأول. وفي أواخر العام الماضي، حاول تحقيق الشفافية التي وعد بها من خلال نشر تفاصيل الموازنة الوطنية، بيد أن هذه الخطوة أتت بنتائج عكسية. فقد غضب العديد من الإيرانيين بعد أن علموا أن مليارات الدولارات ستذهب لمؤسسات دينية مجهولة يديرها أشخاص بارزون في النظام، إلى جانب الإنفاق الحكومي الهائل على المغامرات العسكرية الإيرانية في سوريا والعراق ولبنان. وكل هذا يحدث في سياق اقتصاد تبلغ فيه نسبة البطالة بين الشباب نحو 40%. ويبدو أن المجموعة الحالية من المتظاهرين تضم العديد من الشباب من الطبقة الدنيا أو الطبقة العاملة. ونظراً لكل ذلك، من السهل أن نفهم لماذا أثار إعلان الحكومة عن سلسلة من زيادات أسعار السلع الأساسية في نهاية ديسمبر المنصرم، غضباً واسع النطاق. وكما رأينا في الأنظمة الاستبدادية السابقة، غالباً ما كانت تتحول الاحتجاجات ذات الدوافع الاقتصادية إلى احتجاجات سياسية بمرور الوقت. لكن في هذه الحالة، انتقلت اهتمامات المتظاهرين فوراً من أسعار البيض إلى مطالب بتغيير النظام. وبالتأكيد، لا يتحدث المتظاهرون عن وعود وهمية بالإصلاح. فشعاراتهم لافتة: «الموت للديكتاتور»، «يجب أن يرحل رجال الدين»، «لا نريد جمهورية إسلامية»، «الثورة الإسلامية كانت خطأنا». والجدير بالذكر أن التقليل من شأن خامنئي علانية -كما فعل العديد من المتظاهرين حالياً- يعد جريمة في إيران، ومن يفعل ذلك يتعرض لعقوبة السجن أو الجلد. وعلى نحو يمكن التنبؤ به، حاولت السلطات الإيرانية رفض الاضطرابات باعتبارها نتيجة لمكائد أجنبية. لكن من غير المتوقع أن ينخدع الشعب، فليس العالم الخارجي هو المسؤول عن الفساد المستوطن، بل سوء إدارة الحرس الثوري واحتكاره للاقتصاد. وكل هذه الأمور تظهر بالضبط لماذا لا يستطيع النظام الحالي -كما كان الحال في الاتحاد السوفييتي السابق- أن يسمح بالإصلاح دون الحكم على نفسه بالانهيار. كريستيان كاريل محرر قسم الرأي في صحيفة «واشنطن بوست» ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»