في مقاله المنشور بجريدة الاتحاد تحت عنوان «قرار ترامب حول القدس ضربة لعملية السلام وقبلة الحياة للمتطرفين والمتشددين» بتاريخ 21 ديسمبر الماضي، أثار الأستاذ الدكتور«جمال سند السويدي» قضية تمثل جوهر التغيير سلباً أو إيجاباً في المنطقة، وأيضاً هي موطن الخلاف، وتتمثل في الصراع بين الديني والسياسي، ليس فقط من أجل القدس أو تحرير فلسطين، وإنما في كل قضايانا، حيث تظهر ثلاثة أطراف متصارعة، وفي بعض الأحيان متقاتلة، جميعها تريد توظيف الدين بما يخدم رؤيتها ومصالحها وحاجاتها، وهي: الأنظمة والحكومات باعتبارها صاحبة الحق في حماية الدين مؤسساتياً ودستورياً، والجماعات الدينية المتطرفة منها والسلمية التي تقدم نفسها حامية للدين ووريثة للسلف، ورافضة لما تسميه بالتغريب، حتى لوكان ذلك على حساب الشعوب، بل وضد أوامر الدين ونواهيه، والشعوب الحاملة للإسلام المتوارث بما يطرحه من تداخل بين العقيدة الصحيحة وسنن الأولين والآخرين. مقال السويدي يكشف بوضوح جملةً من مخاطر قرار الرئيس الأميركي«دونالد ترامب» الاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل، و«أخطر ما في القرار أنه أعاد الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي مرة أخرى إلى بعده الديني، بصفته صراعاً دينياً عقائدياً بين المسلمين واليهود لا مجال فيه للحلول الوسط، بعد الجهود الجبارة التي بُذِلت على مدى سنوات طويلة، ولعبت فيها الدول العربية المعتدلة دوراً كبيراً، لتجريد الصراع من هذا البعد الديني، وتحويله إلى صراع سياسي يتم حلُّه من خلال الأطر والآليات السياسية». لقد تابع القراء باهتمام بالغ المقال، وتداولوه بينهم عبر«الواتساب»، وأثنوا على جرأته، لكنهم تساءلوا: ألم يحن الوقت بعد للعودة بالقضيّة الفلسطينية، ومعها القدس إلى فضائها الديني، إما الإسلامي، أو تحالف إسلامي مسيحي، ما دامت إسرائيل تصرُّ على موقفها المؤسس للدولة من منطلق عقائدي؟ الإجابة نجدها في مقال السويدي، لجهة الرفض، انطلاقاً من«أن الصراعات الدينية هي أخطر أنواع الصراعات، هكذا يقول التاريخ في كل مكان، في منطقتنا وفي غيرها، ولعل الحروب الدينية، التي شهدتها أوروبا على مدى ثلاثين عاماً بين الكاثوليك والبروتستانت خلال الفترة من عام 1618 إلى عام 1648، هي خير شاهد على ذلك، بما تسبَّبت فيه من كوارث ومآسٍ، ومقتل ملايين البشر، وإغراق أوروبا بالحروب والصراعات التي أكلت الأخضر واليابس». يرى السويدي في قرار ترامب، جملة من المخاطر الراهنة والمستقبلية، منها أنه «منح قبلة الحياة للتيار الديني المتطرف، الذي كان يعاني سكرات الموت بفعل الضربات القوية التي تعرَّض لها خلال السنوات الماضية»، و«وجَّه ضربة إلى كل الدعوات والتحركات والمبادرات الجدِّية والمخلصة للإصلاح الديني، التي انطلقت خلال السنوات الماضية في المنطقة العربية والإسلامية، ووضع الدول العربية والإسلامية المعتدلة، التي تعاملت مع الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي من منطلقات سياسية وليست دينية، ودافعت عن عملية السلام، وعدَّتها الخيار الاستراتيجي لحل القضية الفلسطينية، في موقف صعب وحرج، ويدعم مواقف المتطرفين والمتشددين والمهووسين بالحروب الدينية والمعارضين لمسار السلام، و يقدم خدمة مجانية إلى دولة دينية متطرفة هي إيران، وأتباعها من الميليشيات الطائفية المسلحة، لأنه يصرف نظر الشعوب العربية والإسلامية عن الخطر الذي تمثله، وينهي دور الولايات المتحدة الأميركية كطرف راعٍ وضامن للعملية السلمية، ويُجرِّد عملية السلام نفسها من مضمونها وجدواها. بعد هذا هناك أسئلة موجهة للسويدي ولغيره من عناصر النخبة وصُنّاع القرار في دولنا العربية: كيف سيتم تسيير صراعنا مع إسرائيل في المستقبل المنظور إذا أصرت على جرّنا إلى حرب دينية؟، وهل سنسترد حقوقنا ولو جزئياً إذا ما كان السلام هو خيارنا الوحيد ونحن الطرف الأضعف؟.. ثم أليس العامل الديني هو رهان وجودنا في فلسطين، ولو معنوياً؟