قد تصبح النمسا أول بلد أوروبي يطبق سياسة الجناح اليميني المتشددة تجاه الهجرة، بعد أن تضمن ائتلافها «حزب الحرية» المنتمي إلى تيار أقصى اليمين. ووثيقة اتفاق الائتلاف الحزبي المؤلفة من 180 صفحة قد تهيئ المناخ لتبني سياسات متشددة مشابهة ولظهور ائتلافات غير معتادة في دول أخرى أعضاء في الاتحاد الأوروبي والعالم الغربي الأوسع نطاقاً. والجمع بين «حزب الشعب» من يمين الوسط الذي يتزعمه سباستيان كورتز البالغ من العمر 31 عاماً، و«حزب الحرية» المناهض للهجرة، مدين بوجوده إلى اعتقاد كورتز بأن النمساويين سئموا من سياسات الوسط المتراخية التي اتبعتها «الائتلافات الكبيرة» لحزب الشعب والحزب الديمقراطي الاشتراكي. واختار كورتز أن يتناقش مع هاينز كريستيان شتراخه زعيم حزب الحرية وليس مع شركائه وخصومه التقليديين في الحزب من يمين الوسط. ووافق شتراخه بتاريخه ذي الصلة بالنازيين الجدد وميوله المعادية بشدة للاتحاد الأوروبي، على أن يصرح بلا مواربة أن النمسا لن تحاول الانفصال عن الاتحاد الأوروبي، ولن تتخلى عن التعامل باليورو. وربما الأهم من ذلك أن حزب الحرية حصل على موافقة تيار السياسة العام على رؤيته لسياسة الهجرة. وأعلنت الأحزاب الحاكمة أن سياستهم في الهجرة تتطلب إعادة كتابة تشريعات الهجرة من الصفر لوضع فواصل واضحة بين الهجرة واللجوء. وترى هذه الأحزاب أن الهجرة يجب أن تقوم على أساس الجدارة وفقاً لحاجات سوق العمل النمساوية. ويجب على طالبي اللجوء أن يكونوا على استعداد أن يتخلوا عن هواتفهم المحمولة لإخضاعها للتحليل لتحديد طرق السفر وأيضاً تسليم بطاقات هوياتهم إذا لزم الأمر. وتعتزم الحكومة رفض قبول اللاجئين الذين يعجزون عن تقديم بطاقات هوية ملائمة. وتعتزم الحكومة مصادرة أي نقود لدى طالبي اللجوء واستغلالها في تغطية كلفة توطينهم. كما تعتزم عدم السماح بعملية الإيواء الفردية، وترى ضرورة التخلي عن سرية الفحوص الطبية في حالة الأمراض التي تعد خطيرة في عملية التوطين. وأي طالب للجوء مدان في جرائم يجب ترحيله من النمسا. وبشكل عام فإنه سيتم تقييد عملية الاستئناف في قضايا الترحيل. ولا نعرف بعد ما إذا كانت المحاكم الأوروبية ستقر هذه المقترحات. كما أن هناك القوانين الدولية الخاصة بمعاملة المهاجرين والإجراءات القانونية التي يجب اتباعها معهم. والمدافعون عن الهجرة سيشككون بالتأكيد في النهج الجديد للحكومة النمساوية. لكن حتى إذا تم إسقاط أكثر البنود سوءاً، مثل مصادرة نقود اللاجئين، فمن الصعب منع الائتلاف الحاكم من خلق نظام متشدد تجاه اللاجئين يلتزم ظاهرياً بالقواعد. والنمسا لا تعتزم ضرب اتفاق الاتحاد الأوروبي لتوطين اللاجئين بعرض الحائط كما فعلت بولندا والمجر وجمهورية التشيك، لكنها تريد - فيما يبدو- إشاعة صورة صارمة لها عند اللاجئين المحتملين فحسب. كما تُلقي الحكومة بمسؤولية الاندماج على عاتق الوافدين الجدد. فقد جاء في برنامج الحكومة أن «النمسا تواصل تقديم كل الفرص للاندماج»، لكن «من لا يغتنمون هذه الفرص ويرفضون الاندماج يتعين أن يتوقعوا عقوبات». وشعار الحكومة النمساوية هو «الاندماج من خلال العمل والإنجاز» وذلك من خلال الخضوع لفصول دراسية لتعليم اللغة وإكساب قيم المجتمع. ومن يفشلون في الامتحانات تُوقع عليهم غرامات أو يتعين عليهم دفع كلفة الدراسة. ومنح الجنسية النمساوية هو أخيراً بمثابة المكافأة القصوى للإنجاز والنجاح. وبرنامج الحكومة يتضمن فصلا فرعياً خاصاً بالتصدي لـ«الإسلام السياسي» الذي يُنظر إليه باعتباره رفضاً للقيم والأعراف الاجتماعية النمساوية. ويتضمن هذا حظراً تاماً على التمويل الأجنبي للمؤسسات الدينية والسيطرة الصارمة على المقررات الدراسية في المدارس الإسلامية وربما في المساجد أيضاً. ومن الصعب أن نتخيل ما قد تضيفه أحزاب أقصى اليمين في دول أوروبا الأخرى، وكذلك سياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب وتوجهات أنصاره في الولايات المتحدة، إلى قائمة الأولويات النمساوية الجديدة. وعلى خلاف عام 2000، حين شارك «حزب الحرية»، وكان وقتها أكثر صخباً، في الحكومة الائتلافية آنذاك، فإن النمسا لن ينبذها الآن حلفاؤها في الاتحاد الأوروبي. فهناك كارين كنيسل وزيرة الخارجية النمساوية المعينة في الحكومة الجديدة، وهي ليست عضواً في «حزب الحرية» لكنها خبيرة في شؤون الشرق الأوسط، وتحظى باحترام واسع، وتشتهر بانتقاداتها لإسرائيل والعالم الإسلامي على السواء. أما كورتز نفسه فيمثل نموذجاً ناجحاً لأحزاب يمين الوسط الأوروبية. فقد أعرب كريستيان ليندنر زعيم الحزب الليبرالي الألماني عن إعجابه به. وصحيح أن الحكومة النمساوية قد تعد غير تقليدية على نحو ما، لكنها ليست بحال من الأحوال حكومة هامش. وإذا نجحت وأثمرت سياساتها نتائج واضحة أفضل في المجالات الاقتصادية والخدمية والأمنية، مثل تقليص عدد المهاجرين الذين بلا وثائق وتقليص البطالة وسط المهاجرين، فعندئذ ستلتفت أحزاب يمين الوسط إلى تجربتها. وستدافع هذه الأحزاب عن نهج مشابه للهجرة بغية مواجهة تهديد الأحزاب الشعبوية. والشعبويون أيضاً سيراقبون التجربة النمساوية لأنها قد تخرجهم من موقف المعارضة الميؤوس منه وتجعلهم يتطلعون إلى وسائل للانضمام إلى قوى وأحزاب التيار السياسي الرئيسي من خلال تبني صورة أكثر احتراماً ومسؤولية. لكن الائتلاف النمساوي قد يجد صعوبة في تحقيق النجاح الموعود. فمن الصعب للغاية عزل بلد أوروبي مازال مقصداً مرغوباً للتدفق الهائل حالياً من المهاجرين. واندماج المهاجرين لا يمكن تحقيقه من خلال عقوبات وفصول دراسية إلزامية، بل من خلال مسؤولية متبادلة من المجتمع المضيف والمهاجرين أنفسهم. وتستطيع النمسا تجاهل هذه الجزئية لدورة انتخابية أو اثنتين، لكن الناخبين سيتوقفون عن دعم هذه المحاولات إذا عززت الكراهية لدى جماعات المهاجرين وانتهى بها الحال لأن تجعل البلاد أقل أماناً. *كاتب روسي مقيم في برلين ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»