صدق من قال: حقيقتان لا تستطيع العين أن تحدق فيهما: الموت والشمس! ولكن العلماء غير الفلاسفة فهم يجربون ويتحدون. إلى درجة أن مجلة «دير شبيجل» الألمانية عنونت عددها 16/‏‏2017 بجملة: «الحياة الخالدة لكل واحد». وعلى الغلاف الخارجي صورة المسيح الذي قال: من يؤمن بي لا يموت. وأما العنوان الفرعي فكان غريباً جداً: كيف يمكن للبشر قهر الموت؟ وبكلمة أدق دفع الموت، فحياتنا قصيرة جداً، خاصة لمن تقدمت به السنون، وتمتع بطعمها الحلو. حلم الديمومة خدع به الشيطان الإنسان حين قال له: (هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى). وحين تم العثور على الألواح الطينية بالكتابة المسمارية، وتم فك حروفها، تبدت للعيان ملحمة «جلجامش»، وكيف ذهب ليأتي بزهرة اللوتس لصديقه «أنكيدو» كي لا يموت، فلم يفلح! وفي التاريخ تسترعي انتباهنا قصة الأباطرة الغزاة الذين أصبح كل شيء في قبضة أيديهم وتحت تصرفهم، إلا الموت فليس منه من يحيد. كان «جنكيزخان» مشغولاً بالفتوحات في الغرب، حين طلب حكيماً من أقصى الصين، كي يدله على شراب يحميه من غائلة الموت. وارتج الطبيب رعباً وهو يعبر معسكر الطاغية، والجند منهمكون في قطع رقاب بعض الأسرى. وحين قابل «جنكيزخان» سأله عن الحياة الأبدية فلا يموت! فأدرك الرجل أن غلطة بسيطة قد تكلفه عنقه فقال: أيها الخان الأعظم أما قهر الموت فليس بيد أحد، ولكن بإمكاني أن أعطيك من العلاجات والنصائح ما تعيش سليماً سعيداً فترة طويلة، فصرفه جنكيزخان من حضرته. حالياً بعض الأثرياء في الغرب يلجؤون إلى طريقة التبريد، فيتمتعون بالحياة حتى الرشفة الأخيرة، فإذا بدأت غرغرة الموت، دفعت أجسادهم إلى أحواض من النشادر السائل بدرجة حرارة 160 تحت الصفر، بعد أن يسحب الدم من عروقهم، ويوضع بدلاً عنه مزيج من «إتيلين جليكول» و«ديميتيل سولفوكسايد» ثم يجري تهبيط الحرارة بسرعة، حتى لا تتحول السوائل إلى جزيئات حادة الأطراف تمزق الخلايا، كما هو معروف في درجات التجمد وتخريب المواد العضوية. وحين تهبط درجة الحرارة على مهل، تحدث ظاهرة معكوسة في الطبيعة فكل ما برد تقلص إلا الماء فهو ينتفخ، ومنه فالتبريد للخضراوات يحرقها. وهنا قام العلماء بخدعة للطبيعة حين عرضوا الجسد إلى برد صاعق في سرعة صاعقة فينجو من ظاهرة الانتفاخ هذه. ونحن هنا لسنا أمام براد بست درجات تحت الصفر بل 160 درجة، وهو ما يحافظ على الجسد. وهناك حالياً شركتان في أميركا وأخرى روسية تقومان بهذه المهمة مقابل 28 ألف دولار، توهماً منهما بإمكانية أن يتقدم الطب بما فيه الكفاية، كي يحافظ على الحياة! وهناك حالة غريبة أيضاً تمت في منتصف نوفمبر 2017 لمريضة بريطانية مصابة بالسرطان تقدمت للمحكمة بما يفيد أنها ستخضع للتجربة على أمل أن تعود للحياة حين يكون الطب قد ختم على مسألة السرطان المنذر بالموت كما كان الحال سابقاً مع السل والجذام والزهري، فيتحول على الأقل إلى مرض قابل للشفاء. وحالياً يرقد 204 أشخاص في الكهف النتروجيني على وهم إمكان العودة إلى الحياة مجدداً. قال ربنا سبحانه وتعالى (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ، وَيَبْقَى? وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ).