كانت مرحلة تحول أميركا إلى العلمانية، كما في الديمقراطيات الغربية كافة، عملية تدريجية وطويلة، وهو ما يشي بأن الولايات المتحدة احتفظت بعقيدة مسيحية قوية وراسخة، بدرجة ربما أكبر من أية دولة أخرى في أوروبا، وهو ما تؤكده أعداد غفيرة من الأميركيين في استطلاعات الرأي حول إيمانهم بالله، وأداء الصلاة، والقيام بالخدمات الدينية، والدلالات الأخرى على التديّن. ورغم ذلك، بينما تخلى كثير من «المحافظين الإنجيليين» عن أية مظاهر اهتمام بالسلوكيات الأخلاقية أو القيم الدينية في مقابل النفوذ والسلطة السياسية، إذ يبدو أن نفوذهم السياسي أضحى عند أعلى مستوياته، تشهد حالة التديّن تراجعاً متواصلاً في الولايات المتحدة. وقد أظهر استطلاع للرأي أجراه معهد «بيو» أنه في الوقت الراهن يؤكد 55 في المئة من الأميركيين البالغين أنهم يحتفلون بأعياد الميلاد «الكريسماس» باعتبارها عطلة دينية، ومن بين هؤلاء 46 في المئة يعتبرونها عطلة دينية أكثر من كونه عطلة ثقافية، و9 في المئة اعتبروها مناسبة دينية وثقافية في آن واحد. وعلى رغم من ذلك، في عام 2013، أكد 59 في المئة من الأميركيين أنهم احتفلوا بالكريسماس باعتبارها عطلة دينية، ومنهم 51 في المئة يرونها مناسبة دينية أكثر من كونها ثقافية، و7 في المئة فقط أفادوا بأنها عطلة دينية وثقافية في آن. ويبدو أن عدداً كبيراً لا يولي أهمية دينية لتحية الكريسماس: «عيد ميلاد مجيد»! فيما يبدو استمراراً لظاهرة «علمنة أميركا»، وهو ما يتزامن مع تراجع أعداد البروتستانت ليصبحوا أقلية للمرة الأولى في الولايات المتحدة، في ضوء خسارتهم للتواجد الديني والثقافي، بينما يمكن اعتبار الإفراط في تسييس الإنجيليين والرغبة في التخلي عن المبادئ والمعايير بحثاً عن النفوذ السياسي باعتباره آخر مراحل انكماش وعزوف المتدينين، الذين لم يعودوا يهيمنون على المجتمع الأميركي. ويبدو من المؤكد أيضاً أن الزعماء الدينيين يتصرفون بدرجة أكبر مثل «مأجورين جمهوريين»، وأما أولئك الذين يبحثون عن «الروحانيات»، فقد ابتعدوا عن الجماعات الدينية المنظمة، وكل ما فعلته تلك الفئة المسيسة من رجال الدين هو تسميم مصطلح «إنجيليين» وجعله مسبباً للخلاف! يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»