«كيف فعلها؟» هذا هو السؤال الذي طرح عليّ أكثر من مرة من قبل أصدقاء أوروبيين بعد يوم من انتخابات مجلس الشيوخ في ولاية آلاباما: كيف فاز «دوج جونز»؟ ولم يكن هذا السؤال من فراغ. ففي نواحٍ كثيرة، كان التحدي الانتخابي الذي واجهه «دوج» في ألاباما مماثلًا بشكل لافت للنظر للتحدي الذي يواجه السياسيين الأوروبيين من يسار الوسط، وحتى يمين الوسط: ما السبيل لهزيمة المرشحين العنصريين أو الكارهين للأجانب أو المثليين الذين تدعمهم أقلية حماسية موحدة؟ أو، لتوضيح ذلك بشكل مختلف: كيف نحمل الأغلبية -التي غالباً ما تكون قانعة أكثر من كونها متحمسة، ومنقسمة بدلا من كونها موحدة- على التصويت؟ كان هذا هو السؤال نفسه الذي طرح بعد انتصار إيمانويل ماكرون في الانتخابات الرئاسية الفرنسية، وجزء من الإجابة، في كلتا الحالتين، هو الحظ. لم يكن أحد يتوقع الفضيحة الجنسية للمرشح الجمهوري «روي مور». ولا أحد توقع أن المؤسسة السياسية الفرنسية ستنسحب بتلك السرعة أيضاً. ولم يكن رئيس فرنسا السابق، يسار وسط، يحظى بشعبية على الإطلاق إلى درجة أنه أفقد حزبه الثقة. أما زعيم اليمين الوسط «فرانسوا فيلون»، فقد أطيح به من السباق بسبب فضيحة. وانتهى الحال بأن أصبح ماكرون زعيماً لتحالف وسطي جديد، وكان الحساب الانتخابي لصالحه، وحقق الفوز في النهاية. ولكن بعيداً عن الحظ، فإن كلًا من ماكرون وجونز حاولا أيضاً الوصول إلى بعض الخطوط المعتادة، جزئياً من خلال التماس القيم التقليدية. وكان ماكرون، الذي خاض معركة ضد اليمين المتطرف في الجولة الثانية من الانتخابات، يدعم الوطنية صراحة. وبدلاً من الخوف والغضب، أبرز حالة من التفاؤل بشأن فرنسا ودورها الدولي. وتحدث عن الفرص التي جلبتها العولمة لفرنسا بدلاً من التركيز على الأخطار، وأعلن عن فخره بأن يكون فرنسياً ومواطناً في العالم. ولم يكن هو الأوروبي الوحيد الذي يتخذ هذا المسار: فقد استخدم «ألكسندر فان دير بيلين»، الزعيم السابق لحزب الخضر ورئيس النمسا الحالي، حملة مماثلة لهزيمة الخصم القومي المتطرف. وكانت لافتات «فان دير بيلين» تبرز مناظر جبال الألب الجميلة، وعلم النمسا وشعار «أولئك الذين يحبون وطنهم لا ينقسمون». وفي ولاية ألاباما، استخدم جونز لغة مماثلة بشكل ملحوظ. فقد كانت إعلاناته على الفيسبوك تستخدم شعار «استعادة الشرف والكياسة» وتؤكد على خلفيته في القانون والنظام، وكما هو الحال مع ماكرون و«فان دير بيلين»، كان يدعم الوطنية بدلاً من القومية المتطرفة. «أعتقد أن الولايات المتحدة هي أرض القوانين والعدالة والحرية والمساواة والفرص»، هذا ما كان جونز يقول. كما وصف أيضاً كفاحه ضد العنصرية باعتباره إنجازاً مدنياً مهماً يعود بالنفع على الجميع: «لقد قاضيت كوكلوكس كلان، وهي المنظمات الأخوية في الولايات المتحدة، وحققت العدالة بالنسبة للفتيات الأربع اللائي قتلن. انضموا إلى حملتنا وأعيدوا قيم المدنية والرحمة إلى ألاباما». وبالطبع، كانت هناك عوامل أخرى في كل هذه الانتصارات. وعلى سبيل المثال، ساعدت عملية الإقبال الناجحة للناخبين، بالإضافة إلى الإعلانات الهادفة، على فوز جونز. وفي فرنسا، ساعد التوقيت ماكرون: حيث دفع الوعي الفرنسي بالدور الذي لعبته روسيا وبديل اليمين في الانتخابات الأميركية على تعزيز عزم كل من وسائل الإعلام والناخبين على تجاهل محاولاتهم التأثير على النتيجة في فرنسا. ومع ذلك، لو لم يكونوا يهدفون إلى الوصول لشيء أسمى، فما كانوا ليحققوا النصر. فالديمقراطية الحديثة تعني ممارسة بناء الائتلافات، أياً كان نظام التصويت. وفي البلدان الكبيرة والمتنوعة والمعقدة، حيث تكون للناس مصالح وخلفيات مختلفة ومتنوعة إلى حد كبير، يتعين على السياسيين الذين يسعون إلى الحصول على منصب وطني (أو الحصول على منصب على مستوى الولاية في أميركا) إيجاد قواسم مشتركة، وكذلك رسائل خاصة لمجموعات معينة. ويتجلى ذلك بشكل واضح في الأمة التي نتشارك فيها جميعاً، وفي تاريخنا وطموحاتنا المشتركة. وكما تثبت كل هذه الانتخابات، فإن التماس الفخر الوطني لا ينبغي أن يكون من خلال كراهية الأجانب أو التفكير المنغلق. وعلى الأقل فقد صوت بعض سكان ألاباما لصالح جونز لأنهم يريدون رؤية ولايتهم كجزء من قصة أميركية تتضمن حركة الحقوق المدنية وتحرير المرأة. إنهم يريدون العيش في أميركا المتسامحة والمفتوحة. وتقديم هذا العنصر من التقاليد الأميركية يمكن أن يحقق لهم الفوز. وبالنسبة للأوروبيين، وكثيرون منهم يعيشون في دول معروفة فعلًا -على العكس من أميركا- بوجود مجموعة إثنية واحدة، يمكن الوصول إليهم من خلال هذه الطريقة. فقد تكون فرنسياً أو بولندياً أو هولندياً ومع ذلك مواطناً في هذا العالم. ويمكنك أن تحب وطنك لأنه جزء من المجتمع الدولي. ويمكنك أن ترفض السماح للقوميين المتطرفين الكارهين للأجانب بتعريف ماذا يعني أن تكون وطنياً. ---------------- * محررة الشؤون الخارجية في صحيفة «واشنطن بوست» ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»