أعلنت دولة الإمارات عن تشكيل لجنة تعاون وتنسيق مع المملكة العربية السعودية في جميع المجالات العسكرية والسياسية والاقتصادية على أعلى مستوى برئاسة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، مما يعني انتقال العلاقة بين البلدين إلى مستويات متقدمة لتغطي فراغاً كبيراً عانت منه منطقة الخليج العربي منذ عام 2003. هذا التعاون والتنسيق الجديد في المنطقة سيغير الكثير من الثوابت السابقة الخاصة بموازين القوى في الخليج والشرق الأوسط عموماً في كافة الجوانب الاستراتيجية والاقتصادية والسياسية والعسكرية، ففي الجانب الاقتصادي ذلك يعني عملية تنسيق وتكامل بين أكبر اقتصادين عربيين يتجاوز حجمهما تريليون دولار ليشكلا معاً واحدا من أكبر 15 اقتصادا على مستوى العالم لتصبح بذلك الدولتان قوة اقتصادية كبيرة مع ما تملكانه من ثروات طبيعية وموارد بشرية وفرص استثمارية وإدارة اقتصادية تتطلع إلى المستقبل بثقة وتسير نحوه بثبات وقوة. لذلك، فإن هذا التنسيق سيوفر قاعدة صلبة لنمو اقتصاديهما بوتائر أسرع ليصبحا في غضون سنوات العقد القادم ضمن أكبر عشرة اقتصادات عالمية، وذلك إذا أخذنا بعين الاعتبار حجم الاستثمارات للمشاريع المعلن عنها في كل من الإمارات والسعودية، إضافة إلى المشاريع المشتركة المتوقع أن تنفذ في نطاق اللجنة الجديدة. استراتيجياً عانت منطقة الخليج العربي من عدم استقرار خطير خلال الخمسة عشر عاماً الماضية بعد التدخل الأميركي في العراق بسبب اختلال موازين القوى في المنطقة، مما أدى بإيران التي رأت نفسها في مركز القوة إلى إثارة الفتن الطائفية وتمويل مليشيات ومنظمات إرهابية والعبث باستقرار الخليج، في حين لم يستطع مجلس التعاون بتركيبته سد الفراغ، فمن بين دوله من حاول مسك العصا من الوسط، مما أوصل رسالة خاطئة لإيران، لذلك يعيد التعاون والتنسيق بين السعودية والإمارات ضمن هذه اللجنة الأمور إلى نصابها ويصحح موازين القوى في المنطقة، فالدولتان معاً تشكلان قوة عسكرية موازية وقادرة على فرض الأمن والاستقرار وحماية الدول العربية من العبث وتصدير الثورة والإرهاب، وبالتالي حماية مكتسبات دول المجلس وأمنها واستقرارها، وهي متطلبات تنموية بالغة الأهمية. سياسياً يبعث البلدان برسالة شديدة الوضوح لكل من يعنيه الأمر، لقد ولى زمن الارتخاء والكلام المنمق، وذلك بعد أن فشلت كافة المحاولات الصادقة لخلق علاقات تتميز بالتعاون وحسن الجوار مع إيران التي لم تقرأ هذا التوجه بصورة صحيحة، فتمادت في خلق الفتن والتخريب وتمويل المليشيات في الدول العربية. لذلك، فان التنسيق السياسي بين البلدين ستكون له آثار إيجابية في المحافل الإقليمية والدولية، وسيجد له انعكاسات على الكثير من القرارات والتوجهات للدول والمنظمات الدولية. هذه خطوة لا بد منها بعدما اتخذت بعض دول المجلس اتجاهاً عرّض الأمن والاستقرار في هذه الدول لمخاطر حقيقية، سواء بسوء تقدير للمخاطر المحيطة ونسج علاقات غير متكافئة مع "الشريفة" والنأي بنفسها عن بقية أعضاء المجلس، أو من خلال اختراقات خطيرة عرّضت بدورها دول المجلس إلى ما لا تُحمد عقباه. لم يكن بالإمكان استمرار هذا الوضع المعقد وغير الواضح، فجاء تشكيل هذه اللجنة للتعاون والتنسيق ليؤدي إلى تشكيل قوة عسكرية وأمنية وسياسية واقتصادية متماسكة وغير قابلة للاختراق والتردد، وتمتلك كل الإمكانيات لإعادة التوازن الاستراتيجي في المنطقة، ويضمن لها الاستقرار والأمن والتنمية. فقط بمثل هذا التوجه ستعيد كافة القوى حساباتها من جديد، فالوضع والتوازن الاستراتيجي والفرص التنموية في منطقة الخليج العربي ما بعد التعاون والتنسيق الإماراتي- السعودي ستختلف تماماً عن فترة ما قبل ذلك، في الوقت نفسه الذي جعلنا نحن أبناء الخليج العربي نشعر بالمزيد من الثقة والأمن والطمأنينة والفخر بهذه القوة القادمة، والتي ستغير الكثير، وتبني الكثير أيضاً استعداداً للمستقبل في ظل متغيرات إقليمية وعالمية تنافسية وسريعة.