يقول المثل العملية نجحت والمريض مات. ودخول العملية الجراحية أصلاً ورطة، يجب أن يكتب فيها المريض وصيته، فقد لا يستطيع توصية. ولا ينجو من الخطر الشاب، فكيف بالواهن كبير السن وقد اشتعل الرأس شيباً ووهن العظم منه. هذا ما خرجت به الإحصائيات الطبية الجديدة فليحذر كبار السن من أي عملية جراحية، فقد ظهر أن من تجاوز عمره 65 عاماً ودخل ظلمات الجراحة معرض بنسبة 80% لاختلاط عقلي أو سبات لا يستيقظ منه، ونسبة الوفاة ترتفع 20 ضعفاً. و40% منهم يدخلون في اختلاطات مقعدة تجعلهم عالة على من حولهم فيما تبقى لهم من حياة. هذا ما حصل للسيدة «مارجريته أولسن» التي خضعت للجراحة في قسم «الأورثوبيديا» في المشفى الجامعي في مدينة مونتسر الألمانية وعمرها 89 عاماً، من أجل تصحيح خلع في المفصل الوركي الصناعي، الذي صنع لها ليمكنها من المشي بسهولة، وكانت النتيجة أن العملية نجحت، ولكن السيدة أولسن غرقت في تصرفات وسلوك أقرب للجنون من العقل، فلم تعد تعرف نفسها، ولا ماذا جرى لها؟ ولا أين هي؟ وبدأت في الصراخ أن هناك أناساً يتصلون بها وهي تسمع همسهم، وفوراً أرادت المشي حيث العملية تتطلب وقتاً قبل قدرة تحمل الجسم لها. وبالكاد استطاع الممرضون ربطها إلى السرير وهي مشكلة إضافية، وهكذا فإذا ذهب اللب لم ينفع البدن. وهذه الحالة ليست جديدة في الطب من الذهان العقلي، فقد وصفها منذ القديم أبو الطب (أبوقراط) الذي عاش في القرن الرابع قبل الميلاد على الشكل التالي: المريض واقف مهدداً يصرخ ويلوح بيديه، أو يتمتم في سريره وهو يقتلع زغب البطانية واللحاف، أو أنه يمد يديه إلى الجدار يقتطف زهوراً وهمية. وكلها علامات لا تنذر بالعافية! ويعاني الأطباء حديثاً الكثير من هذه الظاهرة المقلقة فالمريض خرج من عملية ناجحة، ولكن شيئاً ما أصاب دماغه فانتزع العافية منه. وبعضهم يصرخ طوال اليوم. وآخرون ينتزعون وصلات المواد الغذائية (السيرومات) وما تحمل من صادّات حيوية أو مسكنات أو واقيات من التجلط فهي أخطر ما نخافه على كبار السن بعد العملية الجراحية. وبعضهم يسقط في دورات المياه ميتاً وخاصة بعد العمليات على البطن والحوض. وفريق آخر يدور الممرات من دون توقف ولا يعرف النوم ليلًا، بل وبلغ بعضهم أن قام فألقى بنفسه من شرفة الغرفة فارتج دماغه على الأرض فانفلق ومات. وهذه الظاهرة دفعت الدكتور هولجر راينكه رئيس قسم الأوعية في المشفى الجامعي في مونستر لتتبع الحالة ودراسة الظاهرة لتفاديها. وأما الدكتور هيلجي جولدنتسوف الذي عمل لمدة ثلاثين عاماً رئيساً لقسم الشيخوخة في مشفى مالتيزر في مدينة «بون» فيضحك أمام التشخيص الطبي حين يكتب في ملف المريض: ذهان عقلي أو اختلاط ذهني منذ ثلاثة أيام. ويعقب الرجل فيقول: حتى يدخل المريض هذه الحالة فهي تتطلب زمناً طويلًا قبل دخول حالة الخرف الموصوفة. وبدورها تذهب الدكتورة آنيا شنايدر وهي رئيسة قسم الأمراض العصبية التنكسية وأمراض الشيخوخة النفسية في المشفى الجامعي في بون، إلى أن من يفسر هذه الظاهرة بالتهاب دماغي لا يعرف بالضبط ماذا يحصل! ومنه فقد تشكل فريق عمل برئاسة توماس دانينج في جامعة مونستر بدراسة حالة المرضى الذين يدخلون العمليات الجراحية ويصنفون أيهم قد يتعرض لهذا العطب؟ فينجو بساقه وينعطب في مخه! والتقديرات الأولية أنهم استطاعوا ضغط الاحتمالات من هذا اللون منها في عمليات الحوض مثلاً من 60% إلى 7% وفي حالات شبيهة من 20% إلى 5% وهذا يعني أن هؤلاء المستهدفين لمثل هذه الحالات يمكن إنقاذهم قبل الكارثة. وأنا شخصياً من خبرتي الطويلة في الجراحة أذكر المريض الألماني في مدينة أولدن بورج حيث أصيب بما يشبه الجنون بعد العملية، وبدأ في تمزيق أنابيب العلاج، والقفز من السرير والعملية على بطنه، وأخذنا نضرب كفاً بكف ما الذي جرى للرجل؟