بات من الواضح بشكل متزايد أن السياسيين الأميركيين في عهد أوباما قد أيدوا الأشخاص الخطأ في أوكرانيا. فتحركات الرئيس بيترو بوروشينكو لتعزيز قوته تتضمن الآن تهميش المؤسسات المناهضة للفساد التي دعم في إنشائها من قبل الحلفاء الغربيين لأوكرانيا. وبدا بوروشينكو، الذي شغل منصب وزير خارجية أوكرانيا لفترة وجيزة، أكثر براجماتية من سلفه، فيكتور يانوكوفيتش المخلوع، كما أنه يتحدث الإنجليزية بشكل معقول. وقد كان يعرف، هو ورئيس وزرائه الأول أرسيني ياتسينيوك، ما الذي كانت وزارة الخارجية الأميركية ونائب الرئيس جو بايدن، والمسؤول عن ملف أوكرانيا أثناء إدارة أوباما، يريدون سماعه. ولذلك، بينما خرجت أوكرانيا من الفوضى الثورية التي شهدتها في شهري يناير وفبراير 2014، قررت الولايات المتحدة، ومعها الاتحاد الأوروبي تأييد بوروشينكو وياتيسنيوك لزعامة أوكرانيا الجديدة. وبفضل هذا التأييد، على الأقل من خلال وعود بالحصول على مساعدات فنية كبيرة وقروض من صندوق النقد الدولي، فازا في الانتخابات، وظهرا كشخصين متأثرين بالغرب سيقودان أوكرانيا إلى أوروبا. بيد أن أجندتهما تبين أنها تخدم الذات بشكل أكبر. وبينما كانت أوكرانيا في حاجة وجودية لأموال الغرب، اتبع بوروشينكو وحلفاؤه السياسيون الشروط الملحقة بالمساعدات. ومن بين أشياء أخرى، صوت البرلمان لإنشاء مكتب وطني مستقل لمكافحة الفساد، كان من المفترض أن يحقق في الكسب غير المشروع، إلى جانب تعيين مدع خاص لمكافحة الفساد. ولكن تدريجياً، أصبح واضحاً أنه على رغم أن المكتب والمدعي يمكنهما إحداث جلبة والتحقيق في المئات من القضايا (نحو 400 حتى الآن)، تبين أنه من الصعب توجيه الاتهامات لأن النظام القضائي غير المساعد إلى حد كبير كان يمارس ضغوطاً محسوسة. وطالب حلفاء أوكرانيا الأوروبيون والأميركيون أيضاً بإنشاء محكمة خاصة لمكافحة الفساد. ولكن بوروشينكو لم يتحمس للفكرة، مشيراً إلى أن عدداً قليلًا من الدول لديها مثل هذه المؤسسة. وعلى رغم مطالب الغرب المتكررة، والمدعومة من مجموعة من شباب المشرعين المؤيدين للغرب، لم يقدم بوروشينكو اقتراحاً تشريعياً بشأن المحكمة -مع أن لجنة البندقية، التي تحلل التشريعات للاتحاد الأوروبي، قدمت توصيات مفصلة عما يجب أن تبدو عليه مشروع القانون. وفي الوقت نفسه، بدأ المدعي العام يوري لوتسينكو، وهو حليف قريب من بوروشينكو، يفتح النار ضد المكتب الوطني لمكافحة الفساد. وفي الأسبوع الماضي، تم اعتقال وكيل لمكتب مكافحة الفساد بينما كان يحاول تسليم رشوة لمسؤول خدمات الهجرة، وتم تفتيش المكتب. ورداً على هذا، زعم رئيس المكتب «أرتيم سيتنيك» أن الرشوة كانت جزءاً من عملية غش لا يعرف لوتسينكو عنها شيئاً. ولم يمنع هذا لوتسينكو من مواصلة الهجوم على سيتنيك ومكتبه، متهماً إياه بالقيام بعمليات غير قانونية والتعاون غير المرخص به مع مكتب التحقيقات الفيدرالي. وفي حين أن بوروشينكو لم يأخذ رسمياً جانب لوتيسينكو، إلا أنه ندد بالنزاع برمته. ومع ذلك، فإن الولايات المتحدة تنحاز علناً لمكتب مكافحة الفساد في هذا الصراع. وفي يوم الاثنين، أصدرت وزارة الخارجية الأميركية بياناً يدين «تعطيل التحقيق في الفساد، واعتقال مسؤولين من مكتب مكافحة الفساد في أوكرانيا، والاستيلاء على ملفات حساسة خاصة بالمكتب». ونقل البيان عن وزير الخارجية «ريكس تيليرسون» قوله «إنه لا يخدم أي أغراض لأوكرانيا في القتال من أجل جسدها في دونباس إذا كانت قد خسرت روحها بسبب الفساد. وينبغي دعم مؤسسات مكافحة الفساد والدفاع عنها وإمدادها بالموارد». غير أن من الواضح أن لدى بوروشينكو خططاً أخرى. وفي هذا العام، دفعت أوكرانيا 270 مليون دولار لصندوق النقد الدولي، أي أكثر مما حصلت عليه من الصندوق. وقد استقرت أوضاع الحكومة المالية على خلفية النمو الاقتصادي المتواضع الذي من المتوقع، وفقا لإجماع بلومبيرج، أن يصل إلى 2% هذا العام. وفي الوقت نفسه، فإن الموقف الغربي من الصراع في شرق أوكرانيا قد تصلب. وهناك فرصة أكبر من أي وقت مضى لأن تزود الولايات المتحدة أوكرانيا بأسلحة فتاكة. ومن الواضح أن بوروشينكو قد استنتج أنه لن يفقد الدعم السياسي الغربي طالما أنه يتخذ موقفاً مناهضاً لروسيا، ولم تعد لديه حاجة ملحة للحصول على الدعم المالي وفقاً لجدول زمني ثابت. وطالما أن الزعماء الغربيين يرون أوكرانيا كحصن ضد روسيا، فإن بإمكانه العمل محلياً مثل السياسيين الأوكرانيين الذين يتبعون المدرسة القديمة، والذين لا يرون حدوداً واضحة بين السلطة والمال والقوة الخشنة. كما أن أعماله الصعبة ضد خصمه الأكثر صخباً، رئيس جورجيا السابق وحاكم أوديسا السابق «ميخائيل ساكاشفيلي»، تظهر أن بوروشينكو يمكن أن يكون شخصا قاسياً مثل يانوكوفيتش. وبعد محاولة فاشلة لإبعاد «ساكاشفيلي»، الثوري المناهض للفساد، إلى خارج أوكرانيا بزعم حصوله على الجنسية بموجب ادعاءات كاذبة، قام جهاز إنفاذ القانون التابع لبوروشينكو بمضايقة حلفاء السياسي المولودين في جورجيا. ------------------- * كاتب روسي مقيم في برلين ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»