يعتبر تمديد العمل باتفاق منظمة البلدان المصدرة للنفط «أوبك» في اجتماعها الأخير الأسبوع الماضي، والخاص بسريان الالتزام بخفض الإنتاج حتى نهاية العام القادم 2018 إنجازاً مهماً، وبالأخص بانضمام البلدان الكبيرة المصدرة للنفط من خارج المنظمة لهذا الاتفاق، كروسيا التي التزمت بتخفيض مقداره 300 ألف برميل يومياً. لقد ساهم ذلك في ارتفاع الأسعار بالعام الجاري بمعدلات كبيرة لتستقر خلال الفترة الماضية فوق 60 دولاراً للبرميل، وهو ما دعم الأوضاع الاقتصادية والمالية في البلدان المنتجة للنفط، حيث يتوقع أن تشهد هذه الأوضاع، بما في ذلك دول مجلس التعاون الخليجي مزيداً من النمو والتحسن، بغض النظر عن بعض التقارير التي تحاول بث روح التشاؤم دون الاستناد إلى بيانات وتحليلات علمية. من ضمن جوانب عديدة أدى الالتزام بقرار تخفيض الإنتاج إلى سحب جزء من الفائض في الأسواق الدولية، كما أدى إلى تراجع المخزونات في العديد من مناطق الاستهلاك الرئيسية في العالم بمقدار النصف، إضافة إلى تأثيراته المعنوية على الأسواق والمضاربين، مما أدى إلى وصول الأسعار إلى مستويات لم تبلغها منذ أكثر من عامين، ليؤدي ذلك بدوره إلى تعادل الأسعار لتلبي متطلبات توازن الموازنات العامة في العديد من البلدان المنتجة للنفط وتساهم في تخفيض كبير في العجز السنوي في باقي البلدان، وهو ما يعني تجاوز العديد من الصعوبات التي أعقبت انهيار الأسعار قبل أكثر من ثلاث سنوات. ومع أن إعادة الزخم التنموي السابق في هذه البلدان بحاجة لبعض الوقت، إلا أن المسار الإيجابي بدأ بصورة تدريجية، وسيستمر بصورة أسرع في عام 2018 مدفوعاً بأسعار مقبولة لبرميل النفط بشكل عام، وذلك بشرط أن تتواصل عملية التزام كل الدول من داخل وخارج «أوبك» بالتخفيضات المتفق عليها، وذلك على الرغم من إمكانية زيادة الإنتاج من البلدان غير المنضوية تحت هذا الاتفاق، حيث يتوقع أن يبلغ مجموع هذه الزيادة 800 ألف برميل يومياً، بما في ذلك الولايات المتحدة الأميركية التي يتوقع أن يرتفع فيها إنتاج النفط الصخري، يقابل ذلك ارتفاع في الطلب العالمي بنسبة أكبر تبلغ 1.5 مليون برميل يومياً، وهو ما سيؤدي إلى امتصاص هذه الزيادة وبعض الزيادات التي ربما تنتج عن خرق البعض للاتفاق، وقد تبدو محدودة بناء على تجربة الالتزام في العام الجاري. لقد ساهم اتفاق أوبك الأخير في ارتفاع الأسعار لتتجاوز 63 دولاراً للبرميل، إلا أنه من المهم أن يأخذ بعين الاعتبار أن الأسعار لن تشهد طفرات كبيرة، كالتي حدثت خلال العقد الماضي، وإنما ستشهد تذبذباً في نطاقات سعرية قد تتراوح ما بين 55-65 دولاراً للبرميل خلال عام 2018، وهي أسعار ستتيح الكثير من المرونة للبلدان المنتجة والمصدرة للنفط لتحسين أوضاعها المالية والاقتصادية وإعادة تنفيذ بعض المشاريع التي أجلت بعد تدهور الأسعار. في هذا الجانب لا يمكن أبداً استبعاد الأوضاع الجيو – سياسية، وبالأخص في منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط المضطربة، التي يمكن أن تؤثر بشدة في توازنات العرض والطلب في الأسواق، إضافة إلى عمليات المضاربات التي لن تتوقف، إلا أن هذا الاتفاق والالتزام به سيحد منها بكل تأكيد، مما يعني المزيد من الاستقرار في أسواق النفط في السنة القادمة، وكما هو الحال في العام الحالي، فإن استمرار العمل بالاتفاق ربما يؤدي إلى المزيد من السحب من المخزون العالمي، وبالتالي ارتفاع الطلب والأسعار في آن واحد، فقد تتجاوز في هذه الحالة 65 دولاراً للبرميل، وبالأخص في فترة ما بعد صيف 2018، مما سيبقي المؤشرات العامة لأسواق النفط إيجابية للعام القادم بشرط التزام كل أعضاء «أوبك» والبلدان من خارجها باتفاق تخفيض الإنتاج، وهو ما يعني أيضاً عودة «أوبك» بقوة لأسواق النفط بعد أن فقدت جزءاً مهماً من بريقها في السنوات الماضية.