هناك دولتان في العالم فقط حارب مواطنوهما إلى جانب الجنود الأميركيين في معظم الحروب التي خاضوها منذ الحرب العالمية الأولى، هما: بريطانيا وأستراليا. ولا يمكن لأي دولة حليفة أخرى أو صديقة أو شريكة غيرهما أن تدّعي ذلك. ولم يعد من الغريب أن تصبح «العلاقة الخاصة» مع بريطانيا في أعلى مستوى من التعاون والتكامل والثقة التي يمكن أن تقوم بين دولتين مستقلتين. ولقد كُتبت العديد من المجلدات حول العلاقة التي كانت تربط بين رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل والرئيس الأميركي فرانكلن روزفلت (أثناء الحرب العالمية الثانية). ويؤكد فيلم سينمائي جديد على هذه العلاقة الوثيقة بين هذا الرجل البريطاني العظيم وشريكه الأميركي حتى عندما كانا يختلفان في مواقفهما من بعض القضايا. وعلى نحو مشابه، تناولت كتب كثيرة العلاقات الشخصية القوية التي كانت تربط بين رونالد ريجان ومارجريت تاتشر. وهما اللذان تعهّدا بكل قوة بدعم التوجهات الديمقراطية والأسواق الحرة. ولم يكن من المفاجئ بعد ذلك أن نرى الولايات المتحدة، وخاصة وزارة الدفاع، وهي تسارع إلى مساعدة بريطانيا خلال حرب جزر الفوكلاند. وأجد لزاماً عليّ أن أذكر أنني كنت شخصياً مسؤولاً عن تأمين كل ما يلزم بريطانيا من تجهيزات ومعدات عسكرية صغيرة كانت أو كبيرة من أجل ضمان انتصارها في تلك الحرب، حتى لو أدى ذلك إلى انهيار أسعار الأسهم في أسواقنا المالية. وفي فترة ليست ببعيدة، كانت بريطانيا أول دولة تقف مع الولايات المتحدة أثناء اعتداءات 11 سبتمبر الإرهابية، من دون أن ننسى وقوف دول أخرى إلى جانبنا عندما أطلقنا حرب تحرير العراق. ومهما اختلفت الآراء حول مسؤولية اندلاع تلك الحرب العراقية، وخاصة ما يتعلق بقرار توني بلير بالإسراع بإشراك بلده فيها، إلا أن على المرء أن يقارن بين الدعم البريطاني من جهة، مع موقفي الدولتين الأوروبيتين الحليفتين للولايات المتحدة ألمانيا وفرنسا بالإضافة لكندا من جهة أخرى، وهي الدول التي اختارت الوقوف على الهامش للدرجة التي جعلت مواقفها لا تختلف في شيء عن موقفي روسيا والصين. وحتى عندما كانت العلاقات بين واشنطن ولندن تعاني من التدهور بسبب معارضة رئيس الوزراء البريطاني هارولد ولسون لحرب فيتنام، فلقد واصلت بريطانيا تقديم الدعم اللازم للمجهود الحربي الأميركي. وقدمت بريطانيا في ذلك الوقت المعلومات الاستخباراتية الإقليمية للولايات المتحدة (مثلما فعلت الولايات المتحدة في حرب الفوكلاند)، بالإضافة للمعدات العسكرية من خلال القنوات الخفيّة، وتكفلت بتدريب القوات الأميركية الخاصة على حرب الغابات. وحدث خلال تلك الحرب ما هو أكثر من ذلك. فبالرغم من أن بريطانيا رفضت مشاركة جنودها فيها، فإن أكثر من 2000 جندي بريطاني قدموا استقالاتهم والتحقوا بالقوات الأسترالية والنيوزلندية التي كانت تحارب إلى جانب الولايات الأميركية في فيتنام. وجاء في تقارير عسكرية نشرت في ذلك الوقت أن القاذفات الأميركية كانت تقلع من قاعدة بريطانية في تايلاند لشن غاراتها على دولة لاوس. وبما يعني أن «العلاقات الخاصة» بين الولايات المتحدة وبريطانيا كانت بكل بساطة أقوى من المواقف السياسية. وهناك شراكة استخباراتية بين بريطانيا والولايات المتحدة منذ عدة عقود. فهما تتبادلان الأسرار الاستراتيجية المتعلقة بالأسلحة النووية، وتعاونتا معاً في برامج استراتيجية متنوعة الأهداف، ومنها أن قوات الردع البريطانية تستخدم صواريخ «ترايدنت» الأميركية. وعندما رفضت كل الدول الأوروبية المشاركة في تنصيب منصات الدفاع الصاروخية الأميركية، وقعت بريطانيا بكل هدوء اتفاقية تفتح بموجبها الأبواب لاستقبال محطات الرادار الخاصة بتلك المنظومة الدفاعية. والآن جاء الرئيس دونالد ترامب ليضع نهاية لعقود طويلة من هذه العلاقات الخاصة القديمة. وإن لمن الغريب أن يعيد بث شريط مضاد للمسلمين على موقع «تويتر» بعد أن نقله عن متطرف بريطاني. ولعل الأخطر من ذلك أن يعبر ترامب عن الفرح لأن بريطانيا عانت من الهجمات الإرهابية بأكثر مما عانت أميركا. ويضاف إلى كل ذلك هجومه الشخصي غير المبرر على رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي. ومهما بلغت المشاكل السياسية بين الولايات المتحدة وبريطانيا من التعقيد، فلقد كانت «ماي» تؤكد مراراً وتكراراً على العلاقات القوية التي تربطها بالولايات المتحدة. وهي تستعد الآن للترحيب بالرئيس ترامب عندما يقوم بزيارته الرسمية إلى بريطانيا قريباً. وصحيح أن بريطانيا لم تعد في مستوى القوة التي كانت عليها من قبل بسبب التراجع المتواصل في جهوزيتها العسكرية والتي أدت إليها الاقتطاعات المتواصلة من ميزانياتها الدفاعية، لكنها تبقى شريكة عسكرية مهمة للولايات المتحدة. وتظل بريطانيا الحليف الأكثر إخلاصاً للولايات المتحدة من بين بقية حلفائها. ولقد قال ترامب إن معظم حلفاء الولايات المتحدة يتهربون من مواجهة الاستحقاقات الدفاعية، لكن بريطانيا ليست واحدة منهم. وعليه أن يقدم اعتذاره لتيريزا ماي على إساءاته هذه. *وكيل وزارة الدفاع لشؤون التخطيط والموارد في عهد إدارة ريجان (1985 – 1987) ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»