يشعر الشعب الأميركي بالرضا الشديد إزاء إمكانية الانخراط في حرب مع كوريا الشمالية، وهي الحرب التي من الممكن أن تكون أكثر دموية من أي حرب خاضتها الولايات المتحدة، ويشير أحد التقديرات إلى أن مليون شخص قد يموتون في اليوم الأول للحرب. وقال السيناتور «الجمهوري» ليندسي جراهام لشبكة (سي. إن. إن) «إذا كنا سنذهب إلى الحرب لوقف هذا، فإننا سنذهب». وأردف: «نحن متجهون إلى الحرب إذا لم تتغير الأمور». وذكر ترامب نفسه أنه على استعداد «لتدمير كوريا الشمالية تماماً»، وقال مستشاره للأمن القومي «إتش آر ماكماستر» إن ترامب «على استعداد للقيام بكل ما هو ضروري» لمنع كوريا الشمالية من تهديد الولايات المتحدة بالأسلحة النووية - وهذا ما يفعله كيم جونج-أون بشكل صارم. ومن الدروس التي علمها لنا التاريخ: عندما يقول رئيس ومستشاروه إنهم يفكرون في الحرب، لا بد من أخذهم على محمل الجد. ووفقاً لتقديرات خبراء الأمن الدوليين، فإن نسبة مخاطر الحرب تتراوح بين 15 إلى أكثر من 50%. هذا أمر مذهل. ومن ناحية أخرى، ذكر ترامب قبل أسبوع أن سجوناً جديدة قيد الإنشاء، وأن «الوضع سيتم التعامل معه»، بيد أنه كان بالفعل مؤثراً تماماً في زيادة الضغط الاقتصادي على كوريا الشمالية، ومن الصعب رؤية كيف أن المرة العاشرة التي يتم فيها زيادة العقوبات – بعد تسع مرات حتى الآن منذ عام 2006 - ستحدث فارقاً كبيراً. وتتألف المشكلة من شقين: الأول يتمثل في الهدف الأميركي بالنسبة لكوريا الشمالية، إزالة الأسلحة النووية تماماً، وهو أمر لا يمكن تصديقه، أما الثاني فهو أن استراتيجيتنا للعقوبات الاقتصادية غير فعالة ضد نظام معزول سبق أن قبل موت 10% من سكانه بسبب المجاعة. باختصار لدينا استراتيجية فاشلة لتحقيق هدف ميؤوس منه، كما تسعى الولايات المتحدة إلى اتباع وسائل أخرى، بما في الهجمات السيبرانية والدفاع الصاروخي، التي تستحق الجهد، لكنها لن تجبر كوريا الشمالية على تسليم أسلحتها النووية. هذا هو السياق الذي تصبح فيه الخيارات العسكرية مغرية لترامب. وهذه المشكلة ليست خطأ ترامب، وهو محق في أن الإدارات السابقة (منذ عهد الرئيس جورج بوش الأب في أواخر الثمانينيات) كانت في معظم الأحيان تتجنب التعامل مع المشكلة، وهو أيضاً محق في أننا لم يعد أمامنا أي سبل الآن، خاصة بعدما أظهرت كوريا الشمالية قدرتها على إرسال صاروخ لمسافة تبلغ نحو 8000 ميل، وتضع الولايات المتحدة ضمن نطاقها النظري. (قد لا نكون معرضين للخطر حتى الآن، وربما لا تكون كوريا الشمالية قادرة على إلحاق رأس نووية بالصاروخ حتى يمكنها النجاة من الحرارة والاحتكاك الناجمين عن عودته إلى الغلاف الجوي، ولكن إذا لم يكن لديها هذه القدرة حتى الآن، فإنها تحرز تقدماً سريعاً نحو تحقيق هذا الهدف. ومن المهم منع كوريا الشمالية من القيام بالاختبارات النهائية التي تمنحها الثقة في قدرتها على ضرب الولايات المتحدة). ويعتقد بعض المحللين أنه إذا كانت الولايات المتحدة قد هاجمت المواقع النووية لكوريا الشمالية، بينما كانت تبدأ برنامجها في أواخر الثمانينيات، لكان الأمر سيصبح مجدياً، ولكن حتى في ذلك الوقت كانت كوريا الشمالية لديها القدرة على إمطار سيؤول بالأسلحة الكيميائية والبيولوجية. في عام 1969، كان الرئيس ريتشارد نيكسون يميل إلى ضرب كوريا الشمالية بعد قيامها بإسقاط طائرة تجسس أميركية، ما أسفر عن مقتل 31 شخصاً كانوا على متنها، بيد أن الخبراء حذروا من أن أي ضربة عسكرية من الممكن أن تتصاعد إلى حرب شاملة، وفي النهاية أذعن نيكسون، ومنذ ذلك الحين، كان الرؤساء الأميركيون يميلون بشكل دوري إلى ضرب كوريا الشمالية بعد أي استفزاز، لكنهم كان ينتهي بهم الحال بضبط النفس خوفاً من الانخراط في حرب كارثية. ويقول «الصقور» إن ضبط النفس الأميركي المستمر قد عزز تصوراً في كوريا الشمالية بأن الولايات المتحدة نمر من ورق وليست قوية كما تبدو)، وبصراحة هذا يحمل قدراً كبيراً من الصواب. إنني أخشى أن تكون كل من الولايات المتحدة وكوريا الشمالية تشعران بثقة مفرطة في النفس. في زيارتي الأخيرة إلى كوريا الشمالية، ذكر المسؤولون مراراً وتكراراً أنه مع مخابئهم وأنفاقهم وقدرتهم على الضرب، فإن بإمكانهم النجاة من حرب نووية مع الولايات المتحدة، بل قد يتغلبون عليها أيضاً، وفي واشنطن هناك أحياناً وهم مشابه بأن الحرب قد تنتهي في يوم بعد إطلاق أول وابل من الصواريخ الأميركية. إن الأمل الأخير والأفضل بالنسبة لشبه الجزيرة الكورية يتمثل في نوع من الاتفاق الذي يتم التفاوض عليه ويقضي بأن يجمد «كيم» برامجه النووية، وقد تكون كوريا الشمالية قد ألمحت في بياناتها الأخيرة إلى أنها منفتحة للتفاوض. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»