يوم السبت، الثاني من ديسمبر، بدأت أولى «العواصم الأربع» تتفلّت من يد إيران، بدأت تسقط أو بالأحرى تُستعاد. وما اعتبره أنصار الرئيس اليمني الراحل علي عبدالله صالح «انتفاضة» على الميليشيات «الحوثية» التي عاثت فساداً في اليمن لم يكن سوى صحوة متأخرة، بعدما انكشفت كل الأوهام، وفشلت كل رهانات «الشراكة» اللدودة على أن يتمكّن انقلابٌ على الشرعية من الاستيلاء على الدولة، أو إقامة دولة بديلة. صالح الذي أغتاله "الحوثيون" أمس، لا يزال أمام عسكرييه وأنصاره عمل كثير لتحييد العصابات التي حالفها. والتحالف العربي الذي رحّب بالتطوّرات في صنعاء لم يتخلَّ عن الحذر والارتياب، لكن إشارة إلى «الشرفاء من أبناء حزب المؤتمر الشعبي العام وقياداته» تنطوي على استعداد للمساعدة إذا توفّرت لدى أنصار صالح مبادرة «وطنية» واضحة. ذلك السبت، تغيّرت فجأة لغة عبدالملك الحوثي ولهجته. أصبح يتحدّث عن «تهوّر الميليشيات»، ويعني بها أنصار صالح، الحليف/ الشريك الذي خسره لتوّه، وعن «التحلي بأعلى درجات المسؤولية»، وعما سمّاه دعوات لتخريب الأمن في صنعاء باعتبارها «توجهاً عدائياً». فجأة احتاج إلى من ذهب بعيداً في احتقارهم، إلى عقلاء اليمن وحكمائه «كي يتحرّوا عمّن يسعى إلى الفتنة»، و«لا يراعي المصلحة العليا للوطن»!.. لكن صالح قبل اغتياله كان تجاوز نقطة اللاعودة، مستخدماً ورقتيه القويّتين، حيث دعا ضباط الجيش والأمن، الذين رفضوا المشاركة في الحرب، «للعودة إلى أعمالهم ومعسكراته»، فيما ناشد حزبه رجال القبائل بـ «أن يهبوا للدفاع عن أنفسهم وعن وطنهم وثورتهم وجمهوريتهم ووحدتهم التي تتعرض لأخطر مؤامرة يحيكها الأعداء، وينفذها أولئك المغامرون من (الحوثيين)». لكن «الحوثي» استخرج، في خطابه الثاني، كل ما يُنعَت به في كل مكان ليُسقطه على خصومه الجدد. كانت تلك بداية النهاية لـ «شراكة» أو «تحالف» لم يكن حتى أقرب أنصار صالح يصدّقونه أو يتقبّلونه. للمرة الأولى كان خطاب «الحوثي» انكسارياً وتراجعياً، إذ كان رجاله يُطارَدون في العديد من أنحاء صنعاء والعديد من المدن والبلدات، وفي مشاهد تذكّر بما فعلوه هم بدءاً من الـ 21 من سبتمبر 2014 والأيام التي تلته. فقد حصل أخيراً ما خشيَه دائماً ولم يعرف كيف يتحسّب له. ظنّ أنه لم يعد يحتاج إلى أنصار صالح ، إلا أنه بالغ في استسهال الدعم القبلي للرئيس الراحل. كل التقديرات عشية مواجهات صنعاء كانت تفترض ميزان قوىً لمصلحة «الحوثيين»، لكن ما حصل فرض أمرَين: أولهما إعادة قراءة مشهد احتفال الذكرى الخامسة والثلاثين لتأسيس حزب «المؤتمر الشعبي العام» في 24 أغسطس الماضي، حين شكّل الحشد القبلي الذي جاء من مناطق مختلفة رسالة لم يلتقطها «الحوثي»، وإذا التقطها فعلاً فإنه عجز عن مواجهتها أو استباقها. أما الأمر الآخر فيتمثّل في واقع أن عسكريي صالح، وإنْ فرّقتهم ظروف الحرب، حافظ الولاء القبلي على تماسكهم وراءه. كانت خريطة المواجهات، انطلاقاً من جامع الصالح وحوله، تشير إلى أن «الحوثيين» يتحرّكون بخططٍ مدروسة ضد «حلفائهم»، كما لو أنها تكرار للاستيلاء على العاصمة. لكن المقاومة التي واجهتهم برهنت أيضاً أنها وفقاً لخطط مضادة مترقّبة. وسرعان ما أكّد تراشق الطرفَين بتهم «الخيانة» و«الانقلاب» أن هناك انقلابَين يتسابقان مع أرجحية «إعلامية» للحوثيين، إلى أن بدأ أبناء القبائل تحرّكهم. قبل ذلك استعار «المؤتمر الشعبي» لغة الحكومة الشرعية حين وصف اقتحام الحوثيين المؤسسات الحكومية ودور العبادة بـ «العمل الهمجي»، و«الانقلابي». ولعل أنصار صالح تذكّروا أخيراً أنهم كانوا في صفّ «الحوثيين» عندما نقضوا «اتفاق السلم والشراكة» لحظة وقّع عليه ممثلو الأحزاب تحت التهديد والترهيب. لم يكن لـ «تحالف الغدر» أن يدوم، وما كان يمكن تصوّر مآل آخر لشراكة قائمة على التكاذب والخداع. المؤكّد أن جماعة «الحوثيين» كانت ماضية في ترتيب «صوملة» متعمَّدة للوضع اليمني، وفي إحباط أي مشروع أممي أو غير أممي لـ «حل سياسي». *كاتب ومحلل سياسي- لندن