لعل أكبر مشكلة تتعلق بالذكاء الصناعي في الوقت الراهن لا تكمن في حجم انتشاره، وإنما في أنه أخذ يؤتمن على مهمات خطيرة لها عواقب في العالم الحقيقي قبل أن يتم التأكد من أنه يشتغل على نحو صحيح. تدوينة واسعة الانتشار على الإنترنت نشرها مؤخراً على موقع «ميديوم» الفنانُ جيمس بريدل هي أحدثُ مثال في هذا الباب. فقد قام بريدل بسبر أغوار صناعة لا نعرف عنها الكثير: محتوى الأطفال على يوتيوب. ولا شك أن أي شخص سبق له أن أعطى جهاز آيباد لطفل صغير يعرف نوع الأشياء التي يجدها الأطفال على يوتيوب قبل أن يصبحوا قادرين على الرقن: فيديوهات فتح علب الأطفال، وفيديوهات أغاني مرحلة الروضة، ورسوم متحركة رسمية ومقرصنة لشخصيات ذات شعبية. وبالطبع، فإن مسألة السماح للأطفال أو منعهم من الانغماس في هذه الأشياء تعود إلى الآباء. فهذه فيديوهات يتم إنتاجها كيفما اتفق في مكتبات الرسوم المتحركة ثلاثية الأبعاد أو تنتَج على نحو خواريزمي بأسماء هي عبارة عن مجموعة من الكلمات المفاتيح (فيديو تعليم تربية رسوم متحركة إيقاع روضة أغنية عائلة). وفي العادة، يقوم أحد الأبوين بإطلاق عملية البحث عن فيديوهات تعليمية ويترك طفلاً لا يستطيع حتى القراءة مع نتائج البحث على يوتيوب، التي تتضمن فيديوهات غريبة، وأحياناً عنيفة، وفي أحيان كثيرة مزعجة، إعلانات تحتوي بالطبع على إعلانات – وهذا هو الهدف من نشر حساب تجاري على يوتيوب في الحقيقة. فالمصانع التي تنتج هذا النوع من الأشياء تهدف إلى صنع أكبر عدد ممكن من الفيديوهات وتحرص على أن تظهر في أكبر عدد ممكن من عمليات البحث. وبعد ذلك، تجني عائدات الإعلانات بينما «يبحر» الأطفال على الإنترنت والآباء مسرورون لأن أطفالهم هادئون. الأمر يتعلق بنوع من العنف المتأصل في تضافر الأنظمة الرقمية والمحفزات الرأسمالية. وما أريد قوله باختصار هو أن النظام «متواطئ في الاستغلال». هذا، بالطبع، لا يتعلق بفيديوهات الأطفال فحسب. فصناعة الأخبار الزائفة ما كانت ممكنة من دون تكنولوجيا الإعلانات المبرمجة لجوجل ومَيْل فيسبوك إلى التسامح مع الأخبار الزائفة. فالأولى هي أساس النموذج التجاري – بالنسبة لكل من جوجل ومن أجل المنتجين الجدد – بينما يضمن الثاني التوزيع وطبع الإعلانات. وعليه، فإن كلا من جوجل وفيسبوك – الذي لا يمكن التحقق على نحو مستقل من تقديراته من أن ما يصل إلى 3 في المئة من الحسابات مزيفة وما يصل إلى 10 في المئة من حساباته مكررة – متواطئون، وفق منطق «بريدل»، وأعتقد أن هذا المنطق صحيح لأن كلتا الشركتين تعتمدان على بيع جمهور كبير للمعلنين، ومنصاتهما مصممتان لذاك الهدف بغض النظر عن كيف يتم تحقيقه. ثم إنه حتى إذا غلّبنا حسن النية، فإنهما مذنبان بسبب اعتمادهما المفرط على تكنولوجيا سيئة. فصانعو فيديوهات الأطفال المزعجة وكاتبو الأخبار الزائفة يستغلون منصات التواصل الاجتماعي. ذلك أن أسماء الفيديوهات المليئة بالكلمات المفاتيح مصمَّمة لاستغلال خواريزميات البحث في يوتيوب، والخواريزميات تحسّنت؛ لكن سيمر وقت طويل قبل أن تصبح قادرة على أداء مهام تتطلب تقديراً بشرياً دون تدخل بشري. ومثلما قالت مفوضة التنافسية في الاتحاد الأوروبي «مارجريت فيستجار» في خطاب لها بمؤتمر قمة الإنترنت في لشبونة يوم الاثنين الماضي، فإنه «يجب أن نستعيد ديمقراطيتنا. إننا لا نستطيع تركها لا لفيسبوك، ولا لسنابتشات، ولا لأي أحد آخر. ولهذا، يجب أن نستعيد الديمقراطية ونجدّدها لأن المجتمع يتعلق بالناس، وليس التكنولوجيا». وبالفعل، فإن خطوة إلى الوراء لتأكيد سيطرة البشر على التقنية ضرورية ومطلوبة بشكل عاجل، حتى وإن قلّصت من هوامش الربح الواسعة لشركات التكنولوجيا. ليونيد بيرشيدسكي محلل سياسي روسي مقيم في برلين ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفس»