الكذب والخداع والتلفيق والتسويف والتهديد والوعيد، كلها أدوات عفا عليها الدهر واعتاد الخاسر على استخدامها في خطاباته المنهزمة، وفي سابقة لم يعتد عليها الناس أبداً، ظهرت كل هذه الأدوات مجتمعة في خطاب واحد، وهذا ما بان جلياً في خطاب حسن نصر اللات أمين عام «حزب الله الإيراني في لبنان»، في خطابه اليائس المضطرب الذي طغى عليه طابع القلق والتلعثم حينما بدأ في استجداء عواطف أتباعه مسهباً في ذلك على غير عادة، الأمر الذي يحمل دلالات كبيرة وأكيدة على تزعزع ثقة قاعدة هذا الحزب بشكل خاص والشعب اللبناني والعربي بشكل عام، وكشفهم لألاعيبه وأجنداته الإيرانية التي بسطها بالوكالة عن طهران على لبنان ويحاول مستميتاً فرضها في سوريا واليمن والعراق والبحرين. خطاب «نصر اللات» كان متناغماً مع خطاب الدوحة في جل الملفات التي تناولها، فعند حديثه عن اليمن نجد تطابقاً تاماً في التهكم على الحكومة الشرعية في اليمن، وعلى الجهود العربية والدولية بقيادة المملكة العربية السعودية الساعية لرد الحق والشرعية للشعب اليمني الشقيق والقضاء على دابر أذناب إيران وميلشياتها في اليمن، والتي أرقت بجرائمها ووحشيتها الشعب اليمني، وأثقلت كاهل الجهود والمساعي الدولية الهادفة لاسترداد اليمن من هيمنة إيران ومخططاتها الدنيئة، كما كان الرهان على فشل التحالف العربي في اليمن حاضراً على خطاب نصر اللات، وهذا الرهان نفسه الذي تراهن عليه الدوحة في كل مناسبة ومحفل، دون حياء من حقائق غدرها لهذا التحالف. كما نجد تقارباً لافتاً بين حزب اللات والدوحة في استخدام ذرائع متناغمة، يسعون من خلالها لإلصاق بعض التهم الواهية والأكاذيب المختلَقة بالمملكة العربية السعودية، فحينما اتهم حسن نصر اللات السعودية بسعيها للتدخل بلبنان والعبث باستقرارها، بدأت الدوحة بتجنيد مئات المرتزقة والحسابات الوهمية على مواقع التواصل الاجتماعي لدعم هذه التهم والأكاذيب، فضلاً عن بث الرسائل المسمومة عبر أذرعها الإعلامية كقناة الجزيرة وقناة العربي وغيرهما من منصات الدوحة الإعلامية المستترة تحت مسميات عديدة. حسن نصر اللات في خطابه الأخير وصف حق الحكومة البحرينية في الحفاظ على أمن مواطنيها واستقرار أراضيها بأنه جريمة بحق ما أسماه «الشعب» قاصداً بذلك ثكنة من المأجورين الذين يحملون مشروعاً إيرانياً غاشماً يسعى للتغول على سيادة البحرين وشؤونها الداخلية من خلال اختلاق المشاحنات مع المواطنين الآمنين ورجال الأمن، وبث مظاهر الخراب والتدمير في البلاد تحت اسم الحريات والديمقراطية التي لا تعترف بها إيران داخلياً، وجر البحرين نحو حرب طائفية شعواء تماماً كتلك التي صنعتها إيران في لبنان حاصدة أرواح آلاف المدنيين والأبرياء، ومحطمة لكافة أوجه التنمية والتقدم التي طالما تصدرت بها لبنان دول المنطقة والعالم. الخطاب الأخير كشف لنا كذلك أن هذا المتلون - حسن نصر اللات - لا يمتلك ذاكرة، أو أنه بات يعاني من علامات الخرف، وبإمكاننا إدراك ذلك بكل يسر إذا ما سمعناه وهو يقول بالحرف الواحد: «لبنان ليس صحيحاً أنه في دائرة النفوذ الإيراني وليس صحيحاً أنه خارج النفوذ الإيراني!» ثم يعود بعدها بقليل ليقول: أريد دليلاً واحداً لتدخل إيران بلبنان، ربما خانه التعبير أو لم تسعفه الأكاذيب التي تزدحم بها مخيلته، وبالرغم من ذلك كله هناك آلاف الأدلة التي تفضح التدخل الإيراني بلبنان، فوجود حزب مسلح يمتلك ما لا يمتلكه الجيش النظامي من عتاد وأسلحة على أرض دولة ذات سيادة بحد ذاته، يعتبر خرقاً لسيادة الدولة فكيف لو كان هذا الحزب يحمل انتماءات لدولة أجنبية ممول فكرياً واقتصادياً كلياً منها وينفذ أجنداتها؟! وهذا واقع حال لبنان الذي يرزح تحت هيمنة حزب إيراني مسلح يقيم دولة داخل دولة بأمر من أسياده في طهران، ويتورط في معركة تقودها إيران في سوريا، وهذا بذاته خير دليل على حجم الهيمنة الإيرانية على لبنان ومؤسساته. اتهام نصر اللات للسعودية بالتدخل في لبنان وسعيها للعبث بأمنه جاء مخالفاً لحقيقة الأمر ومناقضاّ لكل الأدلة والبراهين، فالسعودية عملت طوال العقود الماضية على دعم الجمهورية اللبنانية لتحقيق النهضة والتنمية وجادت بالمليارات لتطوير البنى التحتية وتشييد المدارس والمستشفيات والسدود، وقادت جهوداً كبيرة لتحقيق الوفاق والإصلاح بين المتنازعين وتوحيد الصف اللبناني كما شاهدنا في مؤتمر الطائف، حيث عم الأمن والاستقرار والسلام في لبنان، وهذا ما تؤكده أيضاً التقارير الدولية التي تشير إلى حجم المساعدات التي قدمتها السعودية للبنان خلال الفترة الواقعة بين 1990 و2015 والتي تفوق الـ 70 مليار دولار، بينما تضخ إيران نحو 200 مليون دولار سنوياً لحزب اللات لفرض هيمنته على لبنان إلى جانب ملايين الدولارات التي يجتذبها الحزب عبر صفقات قذرة تعلوها نتانة الأسلحة والمخدرات التي يستغلها لتغييب العقول عن واقع هذا الحزب الإرهابي، ويستغلها في حربة على شباب دول الجوار. لم يعد لـ«نصر اللات» ملاذاً آمناً له إلا في طهران أو عاصمة الغدر والإرهاب «الدوحة»، فليس هناك أذن صاغية لهرائه وأكاذيبه، ولم يعد لزيف وعوده سلطاناً على أحد، فنظرية القطيع التي يستخدمها في خطابته والتي تتبناها كذلك آلة الدوحة الإعلامية لم تعد تنطلي على أحد، ولم تعد تجدي في خداع الشعوب وصناعة الرأي العام، وخاصة في ظل وجود متلقٍ واعٍ ومدركٍ لكافة المتغيرات المحيطة به ووسط تعاظم حجم الفضائح المتلاحقة والمتزايدة لطهران والدوحة، فالشعوب العربية اليوم تريد أفعالاً لا أقوالاً وافتراءات، وتريد لبنان حره قوية وصيف مميز في بيروت آمنه.