«حزب الله» في لبنان ظاهرة اجتماعية أكثر منه حزب سياسي كبقية الأحزاب في دول العالم، والفرق بين الظاهرة والحزب كبير؛ ففي الوقت الذي يتشكّل أي حزب سياسي وطني من عدد من أفراد المجتمع (يختلف العدد من دولة لأخرى) يتفقون في ما بينهم على برنامج سياسي وطني استراتيجي يستهدف الداخل المحلي في شكلٍ رئيسي، تقوم ظاهرة «حزب الله» الاجتماعية في لبنان على أساس محض طائفي. ولا مُشكل في قيام تكتل وطني يمثل طائفة من الطوائف، وهذا واقع الحال، ولبنان في ذلك يشكل نموذجاً عربياً بامتياز. كما إنه من غير الوارد إطلاقاً اتهام طائفة من الطوائف في لبنان أو في غيره من بلداننا العربية، بأنها ليست وطنية. إن كل الطوائف وطنية في بلدها كما نعتقد، مثلها في ذلك مثل القبائل الوطنية في بلدان الخليج والجزيرة العربية. لكن ما المشكلة إذاً في «حزب الله» كظاهرة اجتماعية لبنانية ؟ إن «حزبُ الله» كظاهرة اجتماعية في لبنان لم يكتف أن يكون ممثلاً للطائفة الشيعيّة، ولو أنه فعل ذلك لكان الأمر طبيعياً جداً في لبنان، بل هو مارس السياسة في إطار الطائفيّة. ومعلوم أن نسغ الطائفية هو الإقصاء؛ إقصاء الآخر وعدم الاعتراف بوجوده تمهيداً للقضاء عليه. بكلمات أبسط؛ الطائفية مذمومة كونها تقوم على مبدأ الأفضل والأسلم (أحتكار الفضيلة والمعرفة والنوع - العرق). وممارسات طائفية من هذا النوع قام ويقوم بها «حزب الله» عبر السياسة، وهي باتت علنية ومعروفة للجميع ولها شواهد، ولا يُعتقد أنه في هذا الشق تحديداً، ينكرها «حزب الله» أو يجاملُ فيها، على الرغم من أنه كان يوماً عضواً في المؤتمر القومي العربي، وخرج منه بعيد سقوط بغداد عام 2003. إما إذا افترضنا أن «حزب الله» هو حزب سياسي وطني في لبنان (كما يعتقد جلّ اليسار العربي) فتلك مغالطة.. كيف؟ كل القوانين في الجمهوريات العربية، وأيضاً في المملكتين الأردنية والمغربية، تسمح بتشكيل الأحزاب السياسية فيها على أساس وطني، وتُحظر على الأحزاب جميعاً، وفي شكل بات وقطعي، قبول أية هبات مالية أو تمويلات مالية، مباشرة أو غير مباشرة، من خارج الوطن، أي من دولة أجنبية، وفي حالة ثبوت ذلك على أحد الأحزاب فإنه يُحظر عليه ممارسة العمل السياسي وتغلق مكاتبه وأفرعه، أي يُسحب ترخيص الاعتراف به. و«حزب الله» خالف هذا البند القانوني المتعارف عليه عالمياً وليس لبنانياً فقط، بإعلانه غير مرة أن (عتادهُ وصواريخه ورواتب أفراده كلها من إيران). بروز «حزب الله» اللبناني قصة قد تطول تفاصيلها، لكن ما يمكن ذكره في هذا السياق، أنه في عام 1982 أثناء الاجتياح الإسرائيلي لبيروت وما بعده، لم يكن «حزب الله» ضمن تشكيلات المقاومة الوطنية اللبنانية في الجنوب المحتل، ولم تكن له أية نوع مشاركة، خلافاً لبعض الأحزاب اللبنانية الأخرى، بدليل أن أول شهيدة في جبهة المقاومة اللبنانية ضد الاحتلال الإسرائيلي في الجنوب اللبناني، كانت سناء المحيدلي والثانية يسار مروّة، الأولى من الحزب القومي والثانية من الحزب الشيوعي اللبنانيين. بعدها احتكر «حزب الله» منطقة الجنوب اللبناني والعمل فيها، ولم يسمح لأحد المشاركة في مقاومة الاحتلال هناك. وتلك مؤشرات يمكن الحديث فيها بتوسع العارف، كوني في تلك الفترة كنت على تماس صحفي مع ما يجري على الأرض.