الوضع في اليمن جدُ صعب ومعقد نتيجة لعدم التماثل في الرؤى والتقييم للوضع الإنساني والسياسي الراهن بين الحكومة والميليشيات، بيد أن الحكومة الشرعية هي التي تمثل الدولة وتحرص على تفادي الأخطاء وعلى طرفي نقيض؛ لا تلتزم الميليشيات بأية قواعد لافتقارها للأخلاقيات، فهي لا تعترف حتى بأية معاهدات ولا بمواثيق. أما الإرث الثقافي والتاريخي والحضاري اليمني الذي بدأ مع نشوء الحضارات في الألفية الثانية قبل الميلاد، فهو كنز وتراث حضاري ملك للبشرية، حيث وجد علماء الغرب شواهد لقبور «ميجاليث» تعود إلى العصر الحجري القديم، ناهيك عن التاريخ العريق لليمن وممالكها الثلاث التي أضاءت في الحضارات الأخرى. وذكرت في التوراة والإنجيل والقرآن. هذا التراث الإنساني الرائع معرض للتدمير والفناء من خلال العديد من الممارسات الهمجية، والتي تخدم مشروعاً متناقضاً مع ثوابت اليمن التاريخية. وفي محاولة لاختطاف تاريخ اليمن بطمس هويته الحضارية، عبر سرقة الآثار، وتدمير المآثر التاريخية والمكتبات، ومصادرة وإحراق المخطوطات والكتب النادرة - على نهج أسلافهم المغول والصفويين - وعبر القضاء على النسق الاجتماعية المميزة للشعب اليمني، الذي عاش قروناً سعيداً ومتناغماً بين كل مكوناته المذهبية (الزيدية والشافعية)، ليصل المخطط الصفوي باليمن إلى تغيير المناهج الدراسية تكريساً للمذهبية والطائفية. والمفارقة التاريخية أن يتم كل هذا في صمت رهيب من قبل المجتمع الدولي والمنظمات الدولية المعنية تجاه ما يتعرض له الإرث الإنساني والحضاري اليمني من تدمير على يد الميليشيات «الحوثية»، التي تتخذ الشعب اليمني كرهينة تحاول بها الضغط على المجتمع الدولي والإقليمي للقبول بالأمر الواقع وباحقيتها في إدارة البلاد، الأمر الذي يهدد أمن الخليج والسلام الدولي. فحان للمجتمع الدولي أن يفيق من صمته وإلا سيكون شريكاً في ارتكاب هذه المأساة. لقد شمل إرهاب الانقلابيين رجال الإعلام عبر انتهاكات صارخة كالخطف والإخفاء القسري والمحاكمات الظالمة، وآخرها قيام الميليشيات «الحوثية» بإصدار لائحة جديدة للإعلام دون أي مستند قانوني تفرض على الصحف ورجالها مبالغ مالية باهظة لضمان ولائهم لسياسات الميليشيات «الحوثية». لذا كان لزاماً أن تتحرك الجهات العالمية المعنية بقضايا حقوق الإنسان وإرثه الحضاري بتفعيل كافة المعاهدات الدولية للحفاظ على الموروث الثقافي اليمني الذي يتعرض للتدمير على يد الميليشيات الانقلابية..إذ يجب أن يمارس المجتمع الدولي واجباته الأخلاقية والقانونية تجاه ما يتعرض له الإرث التاريخي في كافة دول المنطقة نتيجة الصراعات التي تغذيها إيران. تدمير التراث إحدى أشكال اضطهاد الناس، ولذلك تُعتبر قضية حماية التراث الثقافي أكثر من مجرّد مسألة ثقافيّة، حيث تعدّ هذه القضية واجباً إنسانيّاً ومسألة أمنية، بل مسألة وجود لكي تتحقق مواجهة المخطط الإيراني الذي يستهدف اغتيال وطمس هوية اليمن وثقافته، يجب على المؤسسات الدولية والمنظمات غير الحكومية المعنية؛ تفعيل كل الاتفاقيات الدولية ذات الصلة بحماية التراث الإنساني كاتفاقية اليونسكو لعام 1954 لحماية الممتلكات الثقافية في حال نزاع مسلح، وبروتوكولها الأول والثاني، واتفاقية اليونسكو لعام 1970 بشأن الوسائل التي تُستخدم لحظر ومنع استيراد وتصدير ونقل ملكية الممتلكات الثقافية بطرق غير مشروعة، واتفاقية «اليونيدروا» لعام 1995 بشأن الممتلكات الثقافية المسروقة أو المُصدرة بشكل غير قانوني، وإصدار قرار خاص بشأن المحافظة على الإرث الإنساني في اليمن على غرار قرار المجلس التنفيذي لليونسكو رقم 2199 الخاص بسوريا. استصدار قرار دولي من مجلس الأمن يُجرم الاتجار بالممتلكات الثقافية اليمنية، أصبح أمراً واجباً بل وملحاً ومستعجلاً، وذلك على غرار قرار مجلس الأمن رقم 1483 الذي يُجرم الاتجار بالممتلكات الثقافية العراقية. كما يغدو اليوم الانضمام إلى البروتوكول الثاني من اتفاقية لاهاي، وعلى اتفاقية «اليونيدروا» مطلباً عاجلاً؛ بُغية تقوية الإطار القانوني الدولي لحماية الممتلكات الثقافية اليمنية من الأخطار التي تهددها، وفي مقدمتها ظاهرة الاتجار غير المشروع في كنوزها. وقد اعتبر المجتمع الدولي التدمير المتعمّد لمواقع التراث بمثابة «جريمة حرب»؛ تستخدم لنشر مشاعر الخوف والكراهية بين الناس، حيث يستهدف المتطرفون المخربون ثقافة الشعوب لزعزعة الوحدة الاجتماعية، ويدمرون قدرة الشعوب على النهوض والسير على درب المدنية والحداثة. ولكن هيهات ؛ فتراث اليمن تراث عالمي، كما أنه في الوقت ذاته ملك للإنسانية جمعاء، ولهذا يجب أن تسرع إلى حمايته جميع الدول المحبة للسلام.