يقيم العديد من المنظمات والمؤسسات الصحية حول العالم، بداية من اليوم الاثنين ولمدة أسبوع كامل، فعاليات وأنشطة متنوعة ومتعددة، ضمن الأسبوع العالمي للتوعية بالمضادات الحيوية (World Antibiotics Awareness Week)، لزيادة وعي العامة، وأيضاً العاملين بقطاع الرعاية الصحية، بمشكلة ازدياد قدرة الجراثيم على مقاومة الأدوية والعقاقير، وما يحمله ذلك في طياته من خطر فادح على إنجازات الطب الحديث، وربما حتى على مستقبل الجنس البشري برمته. ويأتي هذا الحدث السنوي في هذا العام على خلفية إحصائيات وتقديرات تشير إلى أن مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية ستؤدي إلى وفاة 700 ألف شخص سنوياً، وربما حتى بضعة ملايين، حسب بعض التقديرات. فمثلاً في الولايات المتحدة حالياً، يقدر «مركز التحكم في الأمراض ومكافحتها» بأن مليونيْ أميركي -على الأقل- يتعرضون سنوياً للعدوى بأحد أنواع البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية، ليلقى 23 ألفاً منهم حتفهم كل عام بسبب مرضهم. وتتعدد وتتنوع أسباب تفاقم هذه الظاهرة، مثل سوء الاستخدام، وفرط الاستخدام، وغش الأدوية والعقاقير، وغيرها من الأسباب، ومؤخراً تزايد الاهتمام بالممارسات الزراعية، وبالتحديد فرط استخدام المضادات الحيوية في تربية الماشية. فمن الحقائق المثيرة والغريبة في عالم الطب، وبالتحديد عالم الأدوية والعقاقير الطبية، أن أكثر من نصف الاستهلاك العالمي من المضادات الحيوية يستخدم في تربية الماشية والطيور الداجنة بأنواعها المختلفة، وأحياناً تزيد هذه النسبة على النصف بكثير. ففي الولايات المتحدة مثلًا، في الوقت الذي يستخدم فيه 3.400 طن سنوياً من المضادات الحيوية في الأغراض الطبية، نجد أن قطاع تربية الماشية ومزارع الدواجن يستهلك 8.900 طن سنوياً. وفي عام 2001، نشر «اتحاد العلماء المهتمين» تقريراً مفاده أن 70 في المئة من كمية المضادات الحيوية التي تصنع وتنتج في الولايات المتحدة تستخدم لغرض تسمين الحيوانات والطيور. وهو ما حدا بمنظمة الصحة العالمية لاستغلال الأسبوع العالمي للتوعية بالمضادات الحيوية لهذا العام، لإطلاق توصيات جديدة موجهة للمزارعين ولقطاع إنتاج الغذاء عامة بضرورة التوقف عن استخدام المضادات الحيوية (بشكل روتيني)، لغرض تسمين الحيوانات غير المريضة. وتهدف المنظمة من هذه التوصيات إلى المساعدة على الحفاظ على فعالية المضادات الحيوية، التي تعتبر من أهم العقاقير المستخدمة في الطب الحديث، من خلال خفض استخدامها غير الضروري للحيوانات. فكما ذكرنا، في بعض الدول، تصل نسبة استخدام المضادات الحيوية في القطاع الفلاحي إلى أكثر من 80 في المئة من مجمل الكمية المستخدمة، ليس غالباً لغرض علاج الحيوانات من أمراض محددة، وإنما فقط لتسمينها وزيادة أوزانها، لرفع هامش ربح المزارع عند البيع. فمن المعروف في قطاع تربية المواشي والحيوانات الداجنة أن إضافة المضادات الحيوية للعلف أو مياه الشرب بجرعات منخفضة وعلى فترات طويلة، يُسرّع من نمو الحيوانات والطيور، ويزيد من أوزانها بشكل أكبر، مقارنة بالحيوانات التي لا تُضاف لغذائها مضادات حيوية، نتيجة ما تسببه هذه العقاقير من تغيرات في فسيولوجيا الجهاز الهضمي، بالإضافة لتثبيطها لبعض الأمراض. وقد بنت منظمة الصحة العالمية توصياتها الأخيرة على مراجعة شاملة نشرت نهاية الأسبوع الماضي في إحدى الدوريات العلمية المتخصصة في الصحة البيئية أو صحة الكوكب بالتحديد (The Lancet Planetary Health)، حيث أظهرت أن تحديد وتحجيم استخدام المضادات الحيوية في تربية المواشي والدواجن، سيخفض من مقاومة البكتيريا لتلك المضادات الحيوية لدى هذه الحيوانات بنسبة 39 في المئة على الأقل. وبالفعل قامت عدة دول باتخاذ تدابير وإجراءات هادفة إلى خفض استخدام المضادات الحيوية في تربية المواشي والدواجن، مثل دول الاتحاد الأوروبي، التي منعت وحظرت منذ عام 2006 استخدام هذه النوعية من الأدوية والعقاقير الطبية كمحفز للنمو بغرض تسمين وزيادة أوزان الحيوانات. وبخلاف الجهات الحكومية والتشريعية أصبح المستهلكون أيضاً يطالبون بلحوم حيوانات لم تستخدم المضادات الحيوية في تسمينها وزيادة أحجامها، وهو ما دفع بالعديد من سلاسل محال البقالة الضخمة، المنتشرة حول العالم وبعدة فروع داخل الدولة الواحدة، إلى تبني سياسة «لحوم خالية من المضادات الحيوية»، كشرط على موردي اللحوم، وكوسيلة للتسويق لزبائنها. وغني عن الذكر هنا، أن تحديد وتحجيم استخدام المضادات الحيوية في تربية الماشية هو جبهة واحدة من عدة جبهات لا بد من التعامل معها جميعها وبشكل متوازٍ، إذا كان للجنس البشري أن يحافظ على أحد أهم أسلحة الطب الحديث في مكافحة الأمراض المعدية.