نقل الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في كلمته، يوم الثلاثاء الماضي، أمام برلمان كوريا الجنوبية، رسالة إلى الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون، قال فيها إن «الأسلحة التي تحصل عليها لا تجعلك أكثر أمناً. إنها تضع نظامك في خطر شديد، وكل خطوة تتخذها على هذا الدرب المظلم تزيد المخاطر التي تواجهها». ولكن المشكلة أن كيم يعتقد العكس تماماً، ولذا فإن الموقف يتطلب من ترامب اتخاذ إجراءات، وليس الاكتفاء بالتصريحات، كي يعيد كيم إلى رشده. ولحسن الحظ أن ترامب أثبت فعلاً أن هناك وسيلة لفعل هذا بالضبط. فبعد أن استخدم النظام السوري الأسلحة الكيماوية ضد شعبه في أبريل الماضي، شن ترامب ضربة عسكرية على القاعدة الجوية التي كان ذلك النظام يطلق منها الهجمات الكيماوية. وكانت الرسالة واضحة لرئيس النظام السوري بشار الأسد ومفادها أنه لا تهاون مع استخدام الأسلحة الكيماوية، وأن استخدامها سيُرد عليه بعمل عسكري. وإذا أراد ترامب منع مسعى كوريا الشمالية لامتلاك صواريخ نووية قادرة على ضرب أميركا في عقر دارها، فعليه أن يحتذي النموذج الناجح لضربته في سوريا. وتحديداً عليه أن يعلن أن اختبارات بيونج يانج النووية والصاروخية لن يجري التسامح معها بعد الآن، وبالتالي يعلن أن كوريا الشمالية منطقة محظور فيها إطلاق الصواريخ الباليستية واختبارات الأسلحة النووية. وأن أي محاولة من كوريا الشمالية لإطلاق صواريخ باليستية ستُواجه بضربة عسكرية تعطل منصة إطلاق الصواريخ، أو تسقط الصواريخ نفسها باستخدام تكنولوجيا الدفاع الصاروخي. وأي محاولة لاختبار أسلحة نووية ستُواجه هي أيضاً بضربة عسكرية تدمر موقع الاختبار والمنشآت النووية الأخرى. وعلى ترامب أيضاً أن يوضح أن كوريا الشمالية إذا لم ترد فلن يتخذ إجراء عسكرياً آخر ضد النظام، كما لم يتخذ إجراء عسكرياً مماثلاً ضد الأسد. ولكن إذا ردت كوريا الشمالية، فمن حق الولايات المتحدة أن «تدمر كوريا الشمالية تماماً» كما أعلن ترامب ذلك أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة. وقراءة التاريخ تخبرنا بأن كوريا الشمالية ستختار إبقاء النظام الحاكم، وبالتالي فلن ترد. فبعد أن دمرت إسرائيل المفاعل النووي الذي بناه الكوريون الشماليون في دير الزور في سوريا، أنكر نظام الأسد وقوع الهجوم أصلًا. وعندما ضربت إسرائيل المفاعل النووي العراقي «تموز» في عام 1981، أعدم صدام حسين العراقيين المسؤولين عن الدفاع عن المفاعل ولكنه لم يرد حينها بضربة على إسرائيل. وكانت كلتا العمليتين الإسرائيليتين جزءاً مما عرف باسم «مبدأ (مناحم) بيجن» رئيس الوزراء الإسرائيلي في ذلك الوقت الذي أعلن في عام 1981 أنه «يجب ألا نسمح بحال من الأحوال لعدو أن يطور أسلحة دمار شامل ضد إسرائيل». وقد حان الوقت حالياً لإعلان «مبدأ ترامب» الذي يحظر على كوريا الشمالية تطوير أسلحة دمار شامل، أو وسائل نقلها لتهديد الشعب الأميركي. وسيحظى ترامب بدعم الحزبين، الجمهوري والديمقراطي، لهذا المبدأ. فقد اقترح وزيرا دفاع سابقان من الحزب الديمقراطي، هما آشتون كارتر وويليام بيري، سياسة مشابهة قبل عقد من الزمن، على رغم أن أياً منهما لم يطبقها حين كان في المنصب. وفي الأيام القليلة الماضية اقترح دينيس بلير، مدير الاستخبارات القومية السابق في إدارة أوباما، أن أي اختبارات نووية أخرى يجب الرد عليها ب«بضربة جوية وصاروخية هائلة من أميركا وكوريا الجنوبية ضد كل المنشآت النووية المعروفة وكل منشآت الدعم في كوريا الشمالية». والوقاية من هذه الاختبارات ستكون دفاعاً مسوغاً عن النفس. فقد أشار مايكل موريل القائم السابق بأعمال مدير وكالة الاستخبارات الأميركية المركزية «سي. أي. أيه» مؤخراً في صحيفة واشنطن بوست إلى أن «كوريا الشمالية قد تكون قادرة حالياً على شن هجوم نووي بنجاح على الولايات المتحدة». ولهذا يجب أن نتصرف على أساس افتراض أن لديها هذه القدرة، وأن أي إطلاق للصواريخ قد يكون في الواقع ضربة نووية استباقية ضد الولايات المتحدة، وهو ما يعطي الولايات المتحدة الحق والمسؤولية في منعها. وإعلان نهاية كل الاختبارات النووية والصاروخية الكورية الشمالية سينزع قدرة التحكم في الموقف من أيدي بيونج يانج. والأمن القومي الأميركي لا يمكن أن يصبح معتمداً على تأكيدات غير موثوق بها من النظام الكوري الشمالي، بل يجب أن يعتمد على قوة ردعنا العسكري. وحالياً، يمتلك نظام كيم زمام المبادرة ويستطيع تصعيد التوترات بإجراء اختبارات نووية أو صاروخية. ونزع هذه القدرة من أيدي النظام الكوري الشمالي يعيد زمام المبادرة إلى الولايات المتحدة وحلفائها، ويحقق الاستقرار في شبه الجزيرة الكورية، ويمنع أيضاً احتمال نشوب حرب بالمصادفة. ولا تخلو هذه السياسة من مخاطر. فمن الممكن أن تسيء كوريا الشمالية التقديرات وترد على ضربة أميركية، وقد يشعل هذا صراعاً عسكرياً واسع النطاق. ولكن إذا كان نظام كيم معرضاً إلى هذه الدرجة لاتباع سلوك غير عقلاني فمن الأفضل التصدي لهذا الآن قبل أن يمتلك القدرة على تدمير نيويورك أو واشنطن. وإذا لم نستطع ردع كيم عن اختبار سلاح نووي الآن فهل يمكننا حقاً منعه من استخدام السلاح النووي حين يمتلكه؟ ويستطيع الرئيس الأميركي، من خلال «مبدأ ترامب» الذي يعلن حظراً جوياً وحظراً للاختبارات النووية في كوريا الشمالية، إنجاز ما لم يستطع ثلاثة رؤساء أميركيين سابقين من قبله إنجازه وهو إيقاف مساعي كوريا الشمالية على الفور لتهديد المدن الأميركية بالصواريخ النووية. ---------------- * كاتب خطابات الرئيس بوش الابن ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلوبيرج نيوز سيرفس»