قبل يومين نشرت الصحافة الألمانية قصة المخبر «مراد» الذي زرعته وزارة الداخلية في خلية «جهادية»، واتضح أنه كان محرضاً رئيساً لتنفيذ عملية إرهابية داخل ألمانيا. القلق يتزايد الآن عن المسؤول عن تجنيد هذا المخبر الذي كان يقنع اليافعين الذين لا يملكون جوازات سفر بأنه بإمكانهم قتل الكفار داخل ألمانيا، بدلاً من السفر إلى سوريا واللحاق بـ«دولة الخلافة». شهدت ألمانيا في السنتين الأخيرتين حوادث إرهابية ترافقت مع وفود مئات الألوف من اللاجئين، مما جعل الحكومة والأجهزة الأمنية في موقع لا يحسدون عليه، مع ازدياد الانتقاد وتوجيه اللوم إلى سياسة ميركل وحكومتها. وفي مثل هذه المنعطفات الحرجة تكون أحياناً الخطط والوسائل الأمنية لتفادي وقوع ما هو أسوأ مشوبة بالارتجال، مع تنافس شديد داخل الأجهزة الأمنية لتحقيق نجاح أو تفوق دائرة على أخرى، وهذا الوضع تعيشه كثير من الدول المتقدمة وغيرها، حيث تكون الرغبة ملحة لعمل شيء ما يمكن اعتباره مفيداً وفاعلاً. وتبدو الحلقة الأضعف والأكثر تحدياً في تجنيد مخبرين وزرعهم داخل الجماعات والخلايا المشتبه فيها. والمخبرون أصناف، إما أصحاب سوابق، تعرضوا للإيقاف أو التحقيق معهم أو محاكمتهم، ولكنهم لا يزالون بعد خروجهم يتمتعون بصلات جيدة، ويحظون باحترام القدامى أو المعتنقين الجدد من الشباب الذين يرون فيهم قدوة ورعيلاً أول، وفي هذه الحالة لا يهم ما الذي حصل أثناء التحقيق معهم فيما سلف، هل أدلوا باعترافات؟ هل تبرعوا بمعلومات عن رفقائهم؟ هل كشفوا مستوراً وهم في حالة ضعف؟ لأن الذين يعتنقون هذه الأفكار من الإسلاميين المنظَّمين يكونون في غاية الحرص على التكتم عن ضعف رفقائهم وسقطاتهم القاتلة بإظهار التماسك والنقاء، وإلا فلن يكونوا بؤر جذب لضحايا جدد من اليافعين والشباب. فئة أخرى من المخبرين، وهم ممن كانت الأجهزة الأمنية قد ترصدت اتصالاتهم وتحركاتهم، واتضح أنهم مناسبون جداً، إما معتنقون بعمق للفكر العنيف، ويتحركون داخل جماعة يمكنها أن تضرب في أي لحظة، وإما أنهم في طور المضي قدماً نحو التنفيذ لعمليات إرهابية، ولكن اقتناص هذه الفئة وتجنيدهم والتغافل عن تغلغلهم داخل الخلايا وضمان تدفق المعلومات منهم مقامرة بالغة الخطورة. وصنف آخر، هم مخبرون من أبناء الأجهزة الأمنية أو ممن لا سابقة لهم لا في اعتناق أفكار متطرفة ولا صلات تربطهم بإرهابيين محتملين، وزرع هذه الفئة من المخبرين هو الأكثر صعوبة وتحدياً، فهي تحتاج تدريباً مضنياً، وتهيئة نفسية وثقافية ودينية لاكتساب اللغة والمفردات التي تساعدهم في الولوج إلى عالم التطرف وكسب عقول أصحابهم وأرواحهم. وهذا الصنف النادر هم من يمكن للمخابرات الوثوق بهم والاطمئنان بنسبة عالية جداً إلى أنهم لن يخونوا ولن ينزلقوا أو يقعوا فريسة الغواية. ولكن ما مدى احتمالية وقوع هذه الفئة تحت تأثير من يرافقونهم ويعاشرونهم أحياناً ساعات يومياً؟ غالباً ما تكون الثغرة إما من أزمات نفسية يمرون بها، لم يتم اكتشافها، لأنها تستيقظ في حالات خاصة من التأثير الروحي أو العاطفي، أو أنهم شخصيات معقدة، نقاط ضعفهم بقيت نقطة عمياء غائبة عن موظفيهم. وعوداً إلى الحالة الألمانية، فإنه من المحتمل ضمن عدة تصورات أن يكون هذا المخبر المزدوج -إذا اعتبرناه ساذجاً عالقاً بماضيه- قد «زاد الكيلة» أي أنه استخدم لغة تحريضية مباشرة، ولم يتلقَّ تدريباً يساعده على إدراك الخيط الرفيع بين الإيحاء وبين التصريح، أو أنه كان من الذكاء المركب حدَّ أنه يمكنه التعويل على سذاجته وقلة خبرته، وفي كلتا الحالتين فإن الملوم هو الجهة التي جندته. للحديث بقية.