يا لها من سخرية. لقد عانت هذه الدولة لتوها من حادث إطلاق نار جماعي ارتكبه مسلح أميركي قتل 58 شخصاً وأصاب 489 آخرين، وما زال الرئيس ترامب يردد أن المهاجرين غير الموثقين يشكلون تهديداً للأمن القومي، ويهدد بترحيل ما يقرب من 700 ألف «حالم» لم يرتكبوا أي جرائم عنف. لقد فكرت في هذه المفارقة بعد مقابلة أجريتها مؤخراً مع «برونو فيليجاس»، طالب في جامعة هارفارد من «الحالمين» - أي أحد شباب المهاجرين الذين جاء بهم والديهم غير الموثقين إلى هذه الدولة وهم أطفال. ومثل معظم الحالمين الآخرين، فقد ترك «برونو» بلده الأصلي، بيرو، وهو طفل وليس لديه أي ذكريات تقريباً عن هذا المكان. وقد ذكر لي برونو أن والديه أخذاه إلى جنوب كاليفورنيا عندما كان في السادسة من عمره ولم يعلم سوى بعد ذلك بسنوات أن أسرته لم يكن لديها وثائق هجرة. وعندما سألته ماذا سيفعل إذا تم ترحيله، قال: «إنني لا أعرف بيرو. إنه بلد بالكاد أتذكره». وقال «برونو»، الذي يتخصص في الدراسات الاجتماعية ويخطط للحصول على درجة علمية في القانون: «أحب أن أعتبر نفسي أميركياً. وأعلم أن هذا صعب، لأن الحكومة لا تريد الاعتراف بي على هذا النحو. بيد أن هذا هو البلد الذي أعرفه، وأحب أن أقيم فيه». ومن بين الحالمين الآخرين الذين يدرسون في هارفارد «جين بارك»، والذي يتخصص في البيولوجيا الجزئية والخلوية، و«لورا فيرا راميريز»، التي ولدت في كولومبيا، وتعتزم التخصص في دراسة الكيمياء. وقد التحق كل هؤلاء ببرنامج الرئيس السابق أوباما «داكا» الذي وفر لهم وضعاً قانونياً مؤقتاً. ويهدد ترامب الآن بترحيل كل الحالمين في غضون خمسة أشهر ما لم يقبل الكونجرس حزمة صارمة مناهضة للهجرة والتي قدمها للحصول على الموافقة التشريعية. والمشكلة هي أن اقتراح ترامب محمل بمطالب مستحيل تلبيتها، وتهدف إلى جعل الطرف الآخر يبدو مسؤولاً عن فشلها. وفي مقابل إضفاء الطابع القانوني على الحالمين، يطالب ترامب الكونجرس بأن يجعل دافعي الضرائب الأميركيين يدفعون تكاليف بناء الجدار الحدودي - وهو الجدار الذي وعد ترامب بأن تدفعه المكسيك - وغير ذلك من التدابير الجامحة التي يطالب بها الكارهون للأجانب من «الجمهوريين»، وفي الواقع، فإن ترامب يدمر اقتراحه بإضفاء الصفة الشرعية على الحالمين من خلال مزجه بحزمة من الإجراءات المناهضة للهجرة التي يقول إنها ضرورية لضمان سلامة أميركا. ورداً على اتهامات «الديمقراطيين» بأنه نكث وعده باقتراح إجراءات أمنية حدودية «معقولة» في إطار اتفاق بين الحزبين لتنظيم أوضاع الحالمين، قال ترامب في تغريدة له على «تويتر» يوم 10 أكتوبر: «إن الديمقراطيين لا يريدون تأمين الحدود، إنهم لا يبالون بسلامة الولايات المتحدة الأميركية». وفي 11 أكتوبر، ذكر ترامب مجدداً الحاجة إلى حماية أميركا من «الحدود التي تنتج الجرائم»، وجدد مطالبته ببناء جدار حدودي مع المكسيك. ورغم ذلك، فهو صامت فيما يتعلق بالحاجة إلى تغيير قوانين السلاح وحماية الأميركيين من القتلة المولودين في الولايات المتحدة. وفي الواقع، فإن أسوأ حوادث إطلاق نار جماعي في التاريخ الأميركي ارتكبها أميركيون. إن «ستيفن بادوك»، الذي ارتكب حادث إطلاق النار الأخير في لاس فيجاس، قد ولد وترعرع في الولايات المتحدة. وكذلك كان «عمر صديقي متين»، الرجل أطلق النار على 49 شخصاً في نادي «بلس» بمدينة أورلاندو في عام 2016. ونفس الأمر ينطبق على «تشو سيونج هوي»، الطالب الذي قتل 32 شخصاً داخل جامعة فرجينيا للتكنولوجيا عام 2007، وأيضاً «آدم لانزا» الذي قتل 20 طفلاً في مدرسة ساندي هوك الابتدائية عام 2012. وبينما كان 11 سبتمبر من عمل إرهابيين أجانب، لم يدخل أي منهم الولايات المتحدة عن طريق التسلل بشكل غير قانوني عبر الحدود المكسيكية. إذا كان ترامب يريد حقاً حماية الأميركيين، فيجب أن يفعل شيئاً لتغيير قوانين السلاح، ويمنع المختلين أمثال «بادوك» من الحصول على ترسانة تضم 47 سلاحاً. وتشير التحقيقات إلى أن هذه الأسلحة قد تم الحصول عليها بشكل قانوني، بما في ذلك أجهزة الارتطام التي تسمح لمالك السلاح بأن يحول أسلحة شبه آلية إلى مدافع رشاشة. من هو الأكثر خطورة، الحالمون الذين يسعون للحصول على درجات علمية من جامعة هارفارد والكليات المجتمعية في جميع أنحاء البلاد، أم الأشخاص الذين يشترون 47 مسدساً وأجهزة لتحويلها إلى مدافع رشاشة؟ إن الإجابة واضحة، لكن آلة الدعاية الخاصة بالإدارة الحالية جعلت كثيرين يعتقدون – رغم كل الأدلة - أن أكبر تهديد لسلامة الأميركيين يأتي من «الحدود التي تنتج الجريمة». أندريس أوبنهايمر* * كاتب أرجنتيني متخصص في شؤون أميركا اللاتينية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «تريبيون نيوز سيرفيس»