كوريا الشمالية.. وتداعيات منع السفر
مع تصاعد الحرب الكلامية بين واشنطن وبيونج يانج، أُغلقت نافذة الحوار والنقاش الوحيدة بين الأميركيين والكوريين الشماليين، ولم يعد التواصل المباشر بين الطرفين ممكناً، وفي اليوم الأول من شهر سبتمبر الماضي، أصدرت وزارة الخارجية الأميركية قراراً بمنع استخدام الأميركيين جوازات سفرهم لدخول أراضي كوريا الشمالية، وبعد ذلك بثلاثة أسابيع، أضافت إدارة ترامب كوريا الجنوبية إلى قائمة الدول التي يُمنع رعاياها من دخول الولايات المتحدة.
ويكون من المهم أن نشير إلى أن عدد من يشملهم قرار المنع الجديد من الطرفين قليل، كما أن قرار منع الكوريين الشماليين من دخول الولايات المتحدة، لن تكون له عواقب مهمة كتلك التي تترتب على منع رعايا دول أخرى من دخول الولايات المتحدة، وخاصة بعض الدول الإسلامية، لكن كان حرياً بالولايات المتحدة أن تعمل على تشجيع التواصل مع شعب كوريا الشمالية بدلاً من قطعه، وذلك في إطار استراتيجية للتشجيع على تغيير النظام هناك.
وعندما سافرت لأول مرة إلى كوريا الشمالية عام 2002، بصفتي أحد أعضاء وفد من مجلس الشيوخ الأميركي، اكتشفت أن المسؤولين في كوريا الشمالية لا يمتلكون إلا معلومات قليلة حول نظام الحكم والثقافة السياسية في الولايات المتحدة، وكانوا يتخذون قراراتهم المهمة بناءً على معطيات وتحليلات خاطئة. وبمرور الوقت، أدركت أن هذا القصور ذاته هو الذي يعاني منه السياسيون الأميركيون عندما يحاولون اتخاذ القرارات السياسية المتعلقة بالتعامل مع الكوريين الشماليين، وهذا ما أدى إلى حالة من سوء التقدير والافتقار إلى الحكم الصحيح على الأمور من كلا الجانبين.
كما أن القرار الجديد بمنع سفر الأميركيين إلى كوريا الشمالية، جاء على خلفية الظروف المؤلمة التي أحاطت بقضية الطالب الجامعي الأميركي «أوتو وورمبيير»، وربما يؤدي منع ما يقارب الألف أميركي الذين يسافرون كل عام إلى كوريا الشمالية لغرض السياحة، إلى منع تكرار هذه المأساة من الحدوث في المستقبل، حتى لو تم ذلك على حساب تقييد حرية الأميركيين من السفر إلى الخارج وفقاً لرغباتهم، إلا أن محظورات السفر الجديدة أبعد أثراً من مجرد منع التوجه إلى كوريا الشمالية لغرض السياحة، لأنها تمنع السفر على كل حاملي جواز السفر الأميركي باستثناء الصحفيين والأشخاص الذين تعتقد الحكومة الأميركية أن سفرهم إلى هناك يخدم القضايا الإنسانية، وللتحقق من ذلك طلبت وزارة الخارجية من المنظمات الإنسانية غير الحكومية الالتزام بالقرار الجديد، لكن ذلك يعقِّد المشكلة بالنسبة لموظفي الأعمال الإنسانية بعد أن أصبح مطلوباً منهم التقدم بطلب الموافقة على السفر من الدوائر المعنية في وزارة الخارجية. ويمكن حل هذه المشكلة جزئياً بمنح أولئك العمال تأشيرة سفر إلى كوريا الشمالية صالحة لعدة رحلات.
ويذكر أن الأميركيين الذين يمارسون نشاطات إنسانية في كوريا الشمالية ساعدوا على معالجة الأمراض الوبائية، بما في ذلك تقديم الأدوية المناسبة المضادة لمرض السل الرئوي، وتقديم المكملات الغذائية لدُور الأيتام والمستشفيات، ومساعدة الأشخاص ذوي البنيات الضعيفة أو الذين يشتكون من سوء التغذية.
وبما أن الزيارات الخاصة بتقديم المساعدات الإنسانية سوف تكون أكثر صعوبة بالنسبة للأميركيين، فإنها ستبقى ممنوعة بالنسبة لبقية المواطنين. ويحاول الأميركيون من أصل كوري التواصل مع أقربائهم وعائلاتهم في كوريا الشمالية، ويريد الباحثون الجامعيون الكوريون مواصلة بحوثهم في جامعات ومعاهد الولايات المتحدة.
ولا بد أن تكون هناك مبررات مقبولة لمنع السيّاح الأميركيين من السفر إلى كوريا الشمالية، إلا أن منع الكوريين الشماليين من السفر إلى الولايات المتحدة لا ينطوي على نظرة موفقة، لأن حكومة كوريا الشمالية تضع المحظورات التي لا يمكن تجاوزها أمام سفر مواطنيها إلى الخارج، ويبدو أن اللاجئين الكوريين الشماليين الذين استفادوا من حق اللجوء السياسي إلى أميركا أو الذين لجؤوا إلى كوريا الجنوبية، لن يشملهم قرار منع الدخول إلى الولايات المتحدة، وسوف يعفى من القرار أيضاً دبلوماسيو كوريا الشمالية الذين يمثلون بعثة بلدهم في الأمم المتحدة بالإضافة لأولئك الذين يدعمون الإبقاء على قنوات التواصل الدبلوماسي مع واشنطن.
ثم إن منع الكوريين الشماليين من دخول الولايات المتحدة ليس بالأمر السهل، ومنذ عقد التسعينيات كانت المنظمات الإنسانية غير الحكومية والجامعات الأميركية ترحب بالوفود الكورية الشمالية التي كانت تأتي إلى الولايات المتحدة للاطلاع على أحدث الابتكارات التكنولوجية في الزراعة والطب أو متابعة أحدث التطورات التي تشهدها الأسواق المالية والاقتصادات العالمية.
وحتى لو أصرَّت الولايات المتحدة على تنفيذ «أقسى الضغوط» الممكنة ضد كوريا الشمالية، فعليها أيضاً أن تعتمد استراتيجية فورية طويلة المدى لزيادة التواصل بين الأميركيين والكوريين الشماليين.
كيث ليوز: عضو لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»