تعكس بعض المعالجات في قانون العقوبات الاتحادي لسنة 1987 ظروف المنطقة في فترة الثمانينيات، حيث نجد أن قانونين صدرا سنة 1970، عقوبات أبوظبي، وعقوبات دبي، أكثر اتساقاً منه في بعض الموضوعات مع المعايير الحديثة. وأول ما يلفت الانتباه أن الجرائم وعقوباتها محددة وفق القانونين المحليين، في حين أن القانون الاتحادي أحال، بموجب مادته الأولى، بعض الجرائم وعقوباتها إلى آراء الفقه، وهي آراء غير مفرغة في نصوص محددة ومنضبطة. وكانت المسؤولية الجنائية وفق قانون أبوظبي تبدأ بإتمام الطفل 9 سنوات، فجاء القانون الاتحادي ووضعه موضع المؤاخذة بإتمامه 7 سنوات، وهي أدنى سن للمسؤولية مقارنة بدول كثيرة. كما أصبح العقل والبلوغ مناط المسؤولية الجنائية الكاملة في الجرائم التي يعود فيها القضاء إلى آراء الفقهاء، إذ أن هذه الآراء لا تعتد باختلاف مراحل السن بعد البلوغ في تقدير العقوبة. وفي حين كان قانونا أبوظبي ودبي يبيحان للآباء تأديب أولادهم، فقد أباح القانون الاتحادي للأزواج أيضاً تأديب زوجاتهم، وبقي الوضع هكذا إلى العام الفائت، حين ألغيت فقرة «التأديب» من القانون الاتحادي. وبالنسبة للأديان، يلاحظ أن الغاية في قانون دبي حماية معتقدات الأشخاص، وتجريم إهانة المعتقد الديني بشكل عام، بينما الغاية في القانون الاتحادي هي حماية الأديان، والسماوية منها فقط. أما بالنسبة للأكل والشرب في نهار رمضان، فقد كان القانون في دبي يعاقب على «نقض الصيام في رمضان علناً»، ونقض الصيام لا يتصوّر حدوثه إلا ممن كُتب عليه، أما القانون الاتحادي فهو يعاقب كل من يجاهر بالأكل أو الشرب في نهار رمضان، سواء كان الصوم مكتوباً عليه أم لا. وفي حين أبقى قانون دبي السحر ضمن دائرة الضحك على العقول، فلم يُجرّم تأثيره، لاستحالة إثبات حدوث التأثير بوسائل الإثبات الجنائي، واكتفى بالعقاب على التظاهر بممارسة السحر أو العرافة، أو الزعم بمعرفة مكان وجود المفقودات، فقد أضفى التعديل الأخير للقانون الاتحادي بُعداً غيبياً على السحر حين قرر العقاب على تأثيره أيضاً. ومن الأمور اللافتة ما نصّت عليه المادة (11) من قانون أبوظبي بشأن إعفاء الجاني في حال موافقة المجني عليه، ويُلاحظ اشتراط قانون دبي للعقاب على أي علاقة تتمّ بالتوافق بين طرفين حدوث اتصالٍ جنسي، ووسّع القانون الاتحادي نطاق التجريم هنا ليشمل أي تلامس جسدي مهما كانت درجته، وحتى لو لم يكن في مكان عام. وفيما يعد نشره مخلاً بالآداب العامة، نجد أن قانون دبي يحدّد ما يعدّ نشره جريمة، ثم ينص على أنه «لا تُعتبر الكتب أو الصور أو النشرات على اختلاف أنواعها بذيئة إذا كان القصد منها‏? ?هو ?النشر ?بحسن ?نيّة ?للعلوم ?أو ?الفنون ?أو ?درسها ?أو ?تعليمها»?، ?ومثل ?هذا ?الاستثناء ?الذي ?يضمن ?حرية ?الإبداع ?والفن ?لا ?نجد ?له ?نظيراً ?في ?القانون ?الاتحادي. للقانون الاتحادي معالجات أفضل من القانونين المحليين للكثير من الموضوعات بلا شك، إذ التطور في التشريع أمر بديهي، حيث إنه صدر بعدهما بـ17 سنة، وألغى العمل بهما في كل ما يتعارض مع أحكامه، ومع هذا تبقى بعض المعالجات في القانونين المحليين أكثر مواكبة لروح العصر.