سلمت منظمة الصحة العالمية خلال الأسبوع الماضي مليوناً ومئتين ألف جرعة مضاد حيوي لحكومة مدغشقر، مع مليون ونصف مليون دولار كدعم مالي طارئ، مع السعي لتوفير ربع مليون جرعة مضادات حيوية إضافية خلال الأيام القادمة لدعم جهود مكافحة انتشار وباء من مرض الطاعون أصاب الآلاف من السكان، وقتل العشرات منهم حتى الآن. ويعتبر مصطلح الطاعون من المصطلحات الطبية واللغوية القليلة التي تحمل دلالتين، إذ بينما يشير الطاعون إلى مرض محدد، فهو أيضاً يعني الوباء المدمر بوجه عام. ويعود السبب في ذلك إلى أن التاريخ البشري لم يشهد مرضاً آخر تسبب في أوبئة مدمرة، قضت على الأخضر واليابس ومسحت مجتمعات بشرية بأكملها من على وجه الخريطة، كما هو الحال مع مرض الطاعون والأوبئة الناتجة عنه. فمنذ أن بدأ البشر في تسجيل تاريخهم على سطح كوكب الأرض، سجلوا أيضاً ما يزيد على 150 وباءً بسبب بكتيريا الطاعون. وكان أول ذكر لوباء عالمي دولي من الطاعون في عام 541 ميلادية، واستمر لمدة أربعة أعوام، وبدأ في مصر، ثم انتشر بعدها إلى معظم مناطق العالم القديم. ويقدر المؤرخون أن ذلك الوباء قد قضى على ما يقرب من خمسين أو ستين في المئة من السكان وقتها. أما الوباء العالمي الثاني من الطاعون فقد بدأ في عام 1346 واستمر لمدة خمسة أعوام، وانتشر بين مدن الصين والشرق الأوسط وأوروبا. وعرف هذا الوباء بـ«الموت الأسود»، حيث قضى على أكثر من 13 مليون إنسان في الصين وحوالى 30 مليوناً آخرين في أوروبا. أي أن «الموت الأسود» قد قضى على ما يقرب من ثلث سكان أوروبا، الذين كان عددهم يقدّر وقتها بحوالي تسعين مليوناً. والطاعون مرض بكتيري معدٍ، ينقسم إلى عدة أنواع، منها الطاعون الرئوي، والطاعون الغددي. وعلى رغم أن النوع الرئوي أقل انتشاراً إلا أنه أخطر بكثير، وغالباً ما يؤدي إلى الوفاة إن لم يتلق المصاب العلاج. وتظهر أعراض الطاعون الرئوي على شكل سعال شديد ومستمر، وصعوبة في التنفس، بعد فترة حضانة مدتها من يوم إلى سبعة أيام من تاريخ العدوى بالبكتيريا. وينتقل الطاعون الرئوي من شخص إلى آخر بالوسيلة نفسها التي تنتقل بها الأمراض التنفسية المعدية الأخرى، مثل البرد والأنفلونزا، أي عن طريق انتقال الرذاذ الناتج عن سعال الشخص المريض إلى الشخص السليم، والذي لابد أن يكون على مقربة منه. أما أعراض الطاعون الغددي فتظهر على شكل حمى وتورم في الغدد الليمفاوية في مناطق الجسم المختلفة، وينتقل هذا النوع غالباً عن طريق البراغيث التي تعيش على القوارض مثل الفئران. ويمكن علاج مرض الطاعون بالمضادات الحيوية، التي تخفض نسبة الوفاة إلى أقل من 5 في المئة بين المرضى، بينما تصل نسبة الوفيات إلى أكثر من 90 في المئة بين المصابين إذا لم يتلقوا العلاج المناسب. وعلى عكس ما يعتقد كثيرون، لا يعتبر الطاعون من الأمراض القديمة التي أصبح مكانها كتب التاريخ والتراث، بل هو موجود حتى يومنا هذا، ولازال يقتل الكثير من البشر كل عام. أما تاريخ استخدام الطاعون كسلاح بيولوجي فيعود إلى القرن الرابع عشر، عندما استخدمه التتار أثناء حصارهم لمدينة «كافا» المطلة على البحر الأسود. حيث قاموا بإلقاء جثث جنودهم المتوفين بسبب الطاعون داخل أسوار المدينة المحاصرة، وهو التكتيك القتالي نفسه الذي استخدمه الروس أثناء حصارهم لمدينة «رفال» خلال حربهم مع السويد في بداية القرن الثامن عشر. وحديثاً لقي مرض الطاعون، وبالتحديد البكتيريا المسببة له، اهتماماً واسعاً من خبراء مكافحة الإرهاب، ومسؤولي الأمن الوطني والقومي في العديد من دول العالم، في ظل احتمال استخدامه كسلاح بيولوجي، من خلال رش البكتيريا فوق المدن والتجمعات السكانية. وأسلوب الرش هذا كان قد أشار إليه تقرير لمنظمة الصحة العالمية منذ أكثر من أربعة عقود. حيث ذكر ذلك التقرير، أن رش 50 كيلوجراماً من بكتيريا الطاعون فوق مدينة تعداد سكانها خمسة ملايين، سيؤدي إلى إصابة أكثر من 150 ألفاً من سكان تلك المدينة بالطاعون الرئوي. ويستطرد التقرير فيذكر أن 100 ألف من هؤلاء المصابين سيحتاجون للحجز في المستشفيات، مع توقع أن يلقى أكثر من 35 ألف شخص منهم حتفهم من جراء هذا الهجوم.