«ماكرون» في حالة تراجع شعبية.. و«راخوي» يواجه لحظة مصيرية لوفيغارو في صحيفة لوفيغارو كتب الصحفي اليميني إيف تريّار مقالاً نقد فيه أداء الرئيس إيمانويل ماكرون خلال الأشهر التي مرت من رئاسته حتى الآن، مؤكداً في هذا الصدد أن سيد قصر الإليزيه يحاول اتباع خط سياسي صعب فيه مسحة من اليسار وأخرى من اليمين في الوقت نفسه، وهو رهان مجازف وغير مضمون النتائج في الحالة السياسية، والاجتماعية المطلبية، الفرنسية الآن. وأكثر من ذلك، فالتداعيات السلبية التي يمكن أن تترتب على هذا التأرجح السياسي قد تكون أيضاً بالغة السلبية. ومحاولات إرضاء الجميع، على كلا جانبي الطيف السيايي، لا تخلو من مجازفة بعدم إرضاء أحد في النهاية. فبعد خمسة أشهر من مجيء ماكرون إلى قصر الإليزيه، اكتشف أخيراً صعوبة التجربة السياسية التي انخرط فيها. بل إن استطلاعات الرأي بدأت الآن تظهر أن خطه السياسي لا يغضب اليسار المتشدد فقط كأنصار منافسه المرشح السابق جان- لوك ميلانشون، بل إنه يثير أيضاً استياء أخلص ناخبي الرئيس نفسه، وهو القادم أصلاً من الحزب الاشتراكي. فحتى بين هؤلاء دخلت شعبيته الآن في حالة سقوط حر. وفي هذه الأثناء، تـُـقرأ في تدابيره وتحركاته ملامح من اليسار، ومن اليمين، حيناً بحين. وهنا تتسابق إلى الذهن بعض مبادراته، مثل إصلاح مدونة قوانين العمل، وخفض إيجارات المساكن، والتخفيض الجزئي على ضرائب الثروة، وسوى ذلك من مبادرات أثارت استياء أنصار سياسات العدالة الاجتماعية، واستياء خصومها في الوقت نفسه. وليس هذا فقط، فهنالك أيضاً استياء آخر واسع من بعض سياسات الحكومة في مجال التعليم والخدمات، وهو ما يجعل مستقبل شعبية الرئيس في كلا معسكري جمهور اليسار وجمهور اليمين، محل تساؤل مفتوح برسم المستقبل، من وجهة نظر الكاتب. لوموند نشرت صحيفة لوموند افتتاحية بعنوان: «كتالونيا: الخروج من سياسة الخيار الأسوأ»، قالت في بدايتها، إنه بعد استفتاء فاتح أكتوبر في إقليم كتالونيا، يتعين الآن على ماريانو راخوي، رئيس الوزراء الإسباني، وكارليس بيغديمونت، الزعيم الإقليمي، تطوير موقفيهما حتى لا تغرق البلاد في أزمة سياسية جارفة. وفي التفاصيل قالت الصحيفة، إن رئيس الحكومة الإسبانية راخوي إن كان أراد عرقلة قضية الانفصاليين الكتالونيين فربما قدم لها خدمة من حيث لم يرد، بسبب مشاهد الشرطة الإسبانية وهي تتدخل، أحياناً بعنف وقسوة، لمنع الكتالونيين من الذهاب إلى صناديق الاقتراع يوم الأحد الماضي، 1 أكتوبر، للتصويت ضمن ما سماه الانفصاليون هناك «استفتاء تقرير المصير»! ولا شك في أن الطريقة العنيفة في التدخل من جانب السلطات تخدم دعاوى الانفصاليين في تلك المنطقة. والنتيجة الآن هي اتساع الخرق، وابتعاد الشقة بين الجانبين، وهو ما ينذر بأن إسبانيا قد تكون مقبلة على أزمة سياسية غير مسبوقة في تداعياتها الخطيرة ومخاطرها المصيرية. صحيح أن لدى راخوي كل الأسباب المقنعة التي تدفعه لمعارضة تنظيم ذلك الاستفتاء الذي دعا إليه التحالف الغريب الحاكم في كتالونيا، وهو تحالف مؤلف من القوميين الانفصاليين المتحالفين مع اليسار المتطرف. وعلى جميع المستويات، الوطنية والإقليمية، لقي هذا الاستفتاء الرفض ووصف بعدم الشرعية من طرف القضاء دون أدنى تردد. ولا شك في أنه متعارض أيضاً بشكل فج وفاضح مع الدستور الإسباني الذي توافق عليه الجميع سنة 1978. وفضلاً عن ذلك فلم تحترم أيضاً فيه معايير تنظيم الاستفتاءات المعتبرة لدى أعضاء الاتحاد الأوروبي. ولذا فإذا كان كارليس بيغديمونت، رئيس الحكومة الإقليمية في كتالونيا يظن أن هذه «النعم» التي يزعم أنه قد تحصل عليها من المليوني مشارك في الاستفتاء وبنسبة 90%، تبرر الانفصال، أو «الاستقلال» -حسب تعبيره- فهذا ظن في غير محله. فقد نسي أن نسبة المشاركة قليلة أصلاً حيث قاطع 60% من الكتالونيين هذا الاستفتاء من الأساس. ولذا فلم يعترف به أي طرف داخلي، ولا في القارة الأوروبية، ولا في أي مكان آخر أيضاً من العالم. وهو موقف إجماع وطني وإقليمي ودولي لا يبدو أنه سيتغير. ولكل هذه الأسباب فلا داعي لأن يرفع رئيس الانفصاليين في كتالونيا العقيرة زاعماً تحقيق انتصار سياسي. وقالت الصحيفة، إن حكومة الإسبانية ترى أن الشرطة المحلية الكتالونية لم ترد إنفاذ أوامر القضاء القاضية بمنع تنظيم الاستفتاء، وهذا هو ما جعل الحكومة المركزية في مدريد تتدخل لإنفاذ هذه القرارات. وهذا معقول ومفهوم. ولكن هنالك أيضاً المصالح الوطنية العليا لإسبانيا، وأولها عدم تنفير سكان إقليم كتالونيا، أو جعلهم يرجحون كفة دعاة الانفصال. كما أن هنالك أيضاً فن السياسة وحسن التدبير والتعامل وفق حساسية الموقف، وكل هذا كان يدعو للتعامل مع هذه القضية بالغة الحساسية والمصيرية بمنطق المقايضة السياسية والتفاهمات لكسب الرأي العام الكتالوني إلى جانب الحكومة، ولدعم موقف الكتالونيين الوحدويين الرافضين للانفصال، وأيضاً للحفاظ على وحدة البلاد، لأن انفصال كتالونيا يمكن أن يؤدي إلى تفككها. وعلى رغم أن هذا الاستفتاء غير شرعي دستورياً، وغير مقبول سياسياً، إلا أن طريقة التعامل معه ينبغي أن تكون بقدر أكبر من الحنكة والحكمة السياسية، فقد شهدت أقاليم أخرى في دول غربية تنظيم استفتاءات على الانفصال، ولكن الحكمة والحنكة هما ما غلب كفة دعاة الوحدة لإفشال تلك المساعي، وهو درس يمكن أن تستفيد منه إسبانيا في أزمتها الطاحنة الراهنة. ليبراسيون تحت عنوان: «إلى من يعرف كيف ينتظر» تحدث أيضاً الكاتب لوران جوفرين في افتتاحية لصحيفة ليبراسيون عن تداعيات الأزمة الكتالونية الراهنة، وعقد مقارنات لا تخلو من دلالة عميقة في هذا الصدد، استناداً على حالات شقاق داخلي سابقة استدعاها من الذاكرة السياسية الأوروبية القريبة. وفي البداية قال الكاتب، إن أول ما يجب الابتعاد عنه هو خطاب التصعيد اللفظي، وتصنيف هذا الطرف أو ذاك ضمن خانة الأخيار أو الأشرار. وقد يجد خصوم حكومة راخوي، بعد العنف الذي اتسم به تدخلها لمنع الاستفتاء فرصة لوضعها ضمن خانة «الأشرار». ولا شك في أن الأزمة الكتاولونية تمثل في الواقع تحدياً سياسياً بالنسبة للحكومة الإسبانية الآن يستلزم التعامل معه بكثير من بعد النظر والفاعلية، والابتعاد عن الرهانات اليمينية الحزبية التقليدية. وفي مقدور إسبانيا الآن الاستفادة من دروس كل من إقليم كيبيك الكندي، واسكتلندا البريطاني، حيث نظم من قبل استفتاءان للانفصال، ولكن الحكمة التي تعاملت بها السلطة المركزية في كلتا الدولتين هي ما أفشل جهود دعاة الانفصال. وهنالك أيضاً تجربة فرنسا مع إقليم كاليدونيا الجديدة، فيما وراء البحار، ودعاة الانفصال/ الاستقلال هناك، حيث راهنت على الزمن، وعلى كسب القلوب والعقول، وما زال من الوارد تنظيم استفتاء هناك خلال العامين المقبلين. ومن جهة الانفصاليين الكتالونيين عليهم هم أيضاً أن يعرفوا أن الانفصال غير ممكن دستورياً، ولا حل سوى التفاهم مع حكومة راخوي على توسيع هوامش الحكم الذاتي داخل الإقليم الذي هو متمتع بكثير من ذلك أصلاً ولكن ضمن السيادة الإسبانية. والبديل عن التفاهم هو الانزلاق في الفوضي والعنف، وفي الذهن هنا تجربة تفكك يوغوسلافيا السابقة، حيث إن الاستقلاليين الكروات والسلوفينيين والبوسنة لو كانوا سمعوا نصائح الوسطاء الأوروبيين، لما وقعت تلك الحروب الأهلية الدامية التي قتل فيها قرابة 200 ومزقت النسيج السكاني والسلام الاجتماعي والاستقرار في منطقة البلقان. ولذا فإن الارتماء في سيناريوهات الفوضى والعنف ليس خياراً رشيداً، ومن صبر لقرون دون تحقيق ما يعتبره حلماً، يستطيع الصبر لسنوات أو عقود فقط، والعمل على توسيع هوامش استقلاله الذاتي. وإسبانيا لا يمكن أن تقبل انفصال كتالونيا، لأن ذلك سيفتح الباب لدعاة الانفصال في إقليم الباسك ومنطقة البليار وحتى إقليم غاليسيا.. الخ، وبهذه الطريقة ستفكك المملكة والأمة الإسبانية بشكل غير مسبوق. إعداد: حسن ولد المختار