إذا اختارت الولاياتُ المتحدة تجاهل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والموقِّعين الستة الآخرين، وخلاصاتِ وزارة الخارجية الأميركية واعتبارَ أن إيران لم تحترم الاتفاق النووي، فإن مصير الاتفاق سيقع على الكونجرس وفق بنود «قانون مراجعة قانون إيران النووي 2015»؛ وحينها، سيجد الكونجرس نفسه أمام قرار يتعلق بأمن أميركا، وليس باستفتاء على الرئيس ترامب أو الرئيس السابق باراك أوباما. وبعد أن شاركتُ حين كنت عضواً في مجلس الشيوخ في العشرات من عمليات التصويت المتعلقة بالحد من التسلح، أودُّ أن آخذ أولئك الذين قد يقومون قريباً بالإدلاء بأصواتهم «في غرفة المفاوضات» لأشرح لهم المنتوج الذي تفاوضنا حوله بهدف إغلاق كل الطرق والمنافذ، التي قد تسمح لإيران بتطوير سلاح نووي، ولماذا من المهم جداً الإبقاء على الاتفاق. السياق مهم. فعندما التقيتُ وزيرَ الخارجية الإيراني أول مرة في سبتمبر 2013، كانت إيران قد أجادت دورة الوقود النووي، وجمعت مخزون يورانيوم يمكن تخصيبه لصنع 10 إلى 12 قنبلة، وكانت تقوم بالتخصيب من دون درجة التخصيب اللازمة لصنع أسلحة بقليل. وكانت تتحرك بسرعة لطلب إنشاء مفاعل ماء ثقيل قادرٍ على إنتاج ما يكفي من البلوتونيوم المخصَّب لدرجة الاستعمال العسكري من أجل صنع قنبلة إضافية أو قنبلتين إضافيتين سنوياً. بعبارة أخرى، إن إيران كانت دولة على عتبة النادي النووي. البعض يسأل لماذا لم يوقف اتفاقُنا سلوكَ إيران المزعزِع للاستقرار، من قبيل دعمها لـ«حزب الله» ونظام الأسد الوحشي في سوريا. إنه سؤال وجيه له جواب شاف ومقنع: إننا لم نكن سنقبل خلال المفاوضات بالتنازل عن اليقين بخصوص الموضوع النووي مقابل أي شيء آخر؛ ومثلما قالت فرنسا، فإنه لن تكون ثمة «مقايضة». ذلك أنه كانت لدينا خلافات عميقة مع إيران ولم نكن نثق فيها، وكنا لم نتفاوض معها منذ 1979، وكنا نسير على مسار تصادمي نحو عمل عسكري في وقت كان فيه العد العكسي قد بدأ لبلوغ إيران مرحلة القدرة على صنع ما يكفي من اليورانيوم المخصب لدرجة تسمح بصنع سلاح نووي. لقد كان العالم موحَّداً بخصوص موضوع واحد، ألا وهو قدرة إيران النووية؛ ولم نكن سنستطيع تحقيق الوحدة أو الحفاظ على نظام العقوبات لو أضفنا مواضيع أخرى. ولكننا كنا نؤمن بأنه سيكون من السهل أكثر معالجة المشاكل والخلافات الأخرى مع طهران إذا لم نكن نواجه في الوقت نفسه نظاماً نووياً. لقد كنا ندرك أن أي اتفاق سيكون محل تمحيص وتدقيق من قبل المنتقدين الذين رأوا الولايات المتحدة قبل 20 سنة تتوصل مع كوريا الشمالية لاتفاقٍ سرعان ما انهار لاحقاً. وكنا قد استفدنا من تلك الدروس. وكان الاتفاق مع كوريا الشمالية يقع في أربع صفحات وكان يتعاطى مع البلوتونيوم فقط. أما الاتفاق مع إيران، فقد كان يتألف من 159 صفحة مفصلة، وينطبق على كل الطرق والمنافذ الممكنة التي قد تقود طهران إلى قنبلة، ويقوم على قواعد الشفافية المنصوص عليها ضمن البروتوكول الإضافي للاتفاق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، كما أنه طوِّر وصيغ والتجربةُ الكورية الشمالية حاضرة في الأذهان. والحقيقة هي أنه لا يوجد بلد أصبح قوة نووية في ظل البروتوكول الإضافي الذي ينص على العديد من عمليات التفتيش والتحقق والذي شدّدنا على أن يكون أساساً للاتفاق مع إيران. إننا نحافظ على تأثيرنا من خلال تمسكنا بالاتفاق، ووزراءُ الخارجية الأوروبيون يقولون لي إنهم سينضمون إلينا لمواجهة الأعمال الإيرانية السيئة الأخرى. فما هو التأثير الذي سنكتسبه عبر انسحابنا من الاتفاق؟ الواقع أننا إذا فعلنا ذلك، سنخسر اصطفافنا القوي مع حلفائنا؛ وسنقوّي روسيا والصين؛ وسنمنح المتشددين الإيرانيين انتصاراً، وسنبعث برسالة لأي بلد يفكر في التفاوض معنا مفادها أنه عندما تتدخل السياسة، فإن الولايات المتحدة لا تفي بوعدها. وفضلاً عن ذلك، فإن التمسك بالاتفاق يعني أننا لن نعود إلى الوضع السابق الذي كان يسير بنا نحو مواجهة عسكرية مع إيران، وأننا سنستطيع التركيز على التهديد النووي الكوري الشمالي الملح اليوم. جون كيري وزير الخارجية الأميركي السابق ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»