كان من الممكن أن يستغل الرئيس الأميركي دونالد ترامب باكورة خطاباته في الأمم المتحدة الأسبوع الماضي من أجل طمأنة حلفائه إلى أنه قادر على تقديم نموذج قيادة عالمية في مواجهة تهديدات القرن الحادي والعشرين، لكنه أدلى بخطاب منمق حول حماية السيادة الأميركية، وهو خطاب قد يلائم بدرجة أكبر المؤيدين المحليين وليس القادة العالميين، وأضاف ترامب إلى تصريحاته الانعزالية لمسة وعظ ديني لإسعاد أنصاره الإنجيليين، وبضع إيماءات لـ«الجمهوريين التقليديين»، وحتى «المحافظين الجدد» من أنصار تغيير الأنظمة. والنتيجة أن الرئيس لم يكشف عن المبدأ الجديد للسياسة الخارجية الأميركية، المتمثل في «الواقعية التي ترتكز على المبادئ»، كما وعد مساعدوه، غير أن الخطاب تميز باستخدام تهديدات قوية ضد كوريا الشمالية وإيران، ملوحاً باحتمال أن تواجه أميركا أزمتين نوويتين قريباً، وربما حربين جديدتين. وإلى ذلك فثمة تناقضات داخلية في السياسات الخارجية الأميركية، بسبب الاختلاف الشديد في الرؤى العالمية لعدد من الأعضاء في الإدارة الأميركية. وعلى الرغم من أن أعضاء الإدارات السابقة كانوا يتجادل فيما بينهم، لكن الرؤساء السابقين كانوا عادة ما يحسمون الاختلافات ويضعون بصمتهم على القرارات النهائية. وتشير التقارير إلى أن كاتب الخطاب الأول هو الشاب القومي المناهض للهجرة «ستيفن ميلر»، الذي يعكس معظم النزعات الانعزالية للسياسة الخارجية الأميركية الجديدة، وهكذا أكد ترامب مبدأ «أميركا أولاً وأخيراً»، مشدداً على أنه كان «يجدد بذلك مبدأ السيادة الأساسي»، كقاعدة للسياسة الخارجية الأميركية، وأنه لم يوصِ أبداً بأية امتيازات للعمل الجماعي. وفي الواقع استخدم الرئيس كلمة «سيادة» أكثر من عشرين مرة، مجدِّداً شكواه من أن دول العالم والأمم المتحدة يستغلان أميركا، والتأكيد على السيادة مهم لاسترضاء القواعد اليمينية، والتي يتصور بعضها أن موظفي الأمم المتحدة، إلى جانب المنظمات الدولية، كانوا يوشكون على اختطاف القرار الأميركي! ولم يتطرق الحديث حول السيادة إلى انتهاك روسيا للسيادة الأميركية بالتدخل في انتخاباتها أو غزوها لأوكرانيا، رغم الإشارة المقتضبة إلى ضرورة احترام حدود «أوكرانيا»، وهو مصطلح لم يستخدم منذ أن كانت أوكرانيا جزءاً من الاتحاد السوفييتي، وحتى الإشارة الموجزة إلى التهديدات في بحر الصين الجنوبي لم تتطرق إلى الإنشاءات العسكرية التي تقوم بها الصين هناك. وربما تصور الرئيس أنه سيخيف «كيم جون أون» عندما قال إن الولايات المتحدة، إذا اضطرت للدفاع عن نفسها وحلفائها، فإنها ستدمر كوريا الشمالية تماماً. وبالطبع سيتعين على الولايات المتحدة الرد باستخدام القوة العسكرية على أي تهديد فعلي من جانب بيونج يانج، لكن لغة ترامب تشير ضمناً إلى ضربة نووية. وعلاوة على ذلك فقد وضع خطاً أحمر بإصراره على أن الخيار الوحيد أمام كوريا الشمالية هو أن تتخلى عن برنامجها النووي، وهو ما يخشى خبراء شؤون المنطقة من أن تتم مواجهته برفض قاطع من قبل «كيم». أما بالنسبة لإيران فإن الاتفاق النووي معيب بالطبع، وعلى واشنطن أن تكون متأهبة لخوض حرب لمنع طهران من امتلاك قنبلة نووية، عندما تتخلى عن الاتفاق. وعلى واشنطن الآن أن تقف في واجه كوريا الشمالية وإيران بسياسة خارجية قوية ودبلوماسية من خلف الكواليس، وذلك من خلال العمل مع الأصدقاء والحلفاء بهدف عزل بيونج يانج وإجبار إيران على التخلي عن سلوكياتها الخطيرة في الشرق الأوسط. محللة سياسية أميركية يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «تريبيون نيوز سيرفس»