على الرغم من فشل بلدان منظمة الدول الأميركية الـ34 مؤخراً في تمرير قرار يطالب فنزويلا بإعادة الحكم الديمقراطي، إلا أن الضغط الداخلي والدولي على الرجل القوي نيكولاس مادورو من المحتمل أن يزداد خلال الأسابيع المقبلة. والواقع أنه ينبغي ألا ننخدع بالانتصار الدبلوماسي المؤقت الذي حققه مادورو خلال اجتماع منظمة الدول الأميركية، في التاسع عشر من يونيو الماضي في كانكون المكسيكية، ولا بما يبدو سيطرةً من قبله على القوات المسلحة عقب حادث السابع والعشرين من يونيو المحير، والذي أطلق خلاله شخص في طائرة هليكوبتر تابعة للشرطة طلقات نارية على المحكمة العليا الخاضعة لسيطرة الحكومة. فالأزمة السياسية الفنزويلية، والتي أدت إلى مقتل 77 شخصاً في احتجاجات الشوارع على مدى الثلاثة أشهر الماضية، مستمرة في التصاعد والتأجج. مادورو فاز في معركة دبلوماسية خلال اجتماع منظمة الدول الأميركية بفضل مساعدة حفنة من دول الكرايبي الصغيرة، حيث تمكنت هذه الأخيرة من التغلب على قرار مدعوم من قبل 20 بلداً كبيراً، من بينها الولايات المتحدة وكندا والمكسيك والبرازيل والأرجنتين وكولومبيا، يطالب بإعادة الحكم الديمقراطي في فنزويلا. هذا الاضطراب الدبلوماسي يعزى جزئياً إلى قرار وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون بعدم حضور اجتماع وزراء خارجية منظمة الدول الأميركية، حيث يرى بعض الدبلوماسيين أنه لو حضر تيلرسون ذاك الاجتماع، مع نظرائه من جزر الكرايبي الصغيرة، ومنحهم حوافز ومارس بعض الضغط، لُحظِيَّ القرار بالموافقة على الأرجح. لكن ما الذي يمكن أن يحدث من الآن فصاعداً؟ في ما يلي بعض الأشياء التي تناقَش في واشنطن وبعض العواصم الأميركية اللاتينية، في وقت تتفاقم فيه الأزمة السياسية والاقتصادية في فنزويلا: أولا، من المرجح أن يقترح الكونجرس الأميركي تقليصاً أكبر من المتوسط للمساعدات الخارجية الأميركية للبلدان التي صوّتت ضد قرار منظمة الدول الأميركية، أو امتنعت عن التصويت، على أمل الضغط عليها من أجل التصويت لصالح الديمقراطية في فنزويلا في المرة المقبلة. وفي هذا السياق، قال السيناتور ماركو روبيو في تغريدة على تويتر في الثاني والعشرين من يونيو: «يجب ألا يكون ثمة شك في أن دعم هايتي وجمهورية الدومينيك والسلفادور لنيكولاس مادورو.. سيؤثر على العلاقة مع الولايات المتحدة». كما أخبرني مصدر مطلع في الكونجرس بأنه «أضحى من الصعب على المشرِّعين الأميركيين دعم مساعدات خارجية أميركية إلى بلدان معرقِلة تدعم نظام مادورو». ويُذكر هنا أن ترامب كان قد اقترح تقليصاً إجمالياً للمساعدات الخارجية الأميركية بنسبة 32? لسنة 2018، لكن حتى إذا تمت الموافقة على ذلك من قبل الكونرجس، فإن الإدارة الحالية تستطيع تحديد المساعدات على نحو يكافئ البلدان المؤيدة للديمقراطية ويعاقب تلك التي تدعم مادورو، كما تقول مصادر في الكونجرس. ثانياً، قد توجه منظمة الدول الأميركية، في وقت قريب، دعوة إلى النائبة العامة الفنزويلية لويزا أورتيغا دياز، الحليفة السابقة للحكومة (والتي اتهمت مادورو مؤخراً بانتهاك حكم القانون)، لإلقاء خطاب أمام الجمعية العامة للمنظمة في واشنطن. ولا شك في أن تقريرها حول انتهاكات نظام مادورو لحقوق الإنسان قد تصعِّب على بعض البلدان مواصلة الامتناع عن التصويت في عمليات التصويت المقبلة حول فنزويلا بمنظمة الدول الأميركية. ثالثاً، يمكن للجمعية العامة الفنزويلية التي تتمتع فيها المعارضة بالأغلبية، والتي قُلصت معظم صلاحياتها بشكل غير قانوني من قبل مادورو، أن تقرِّر قريباً تعيين حكومة انتقالية وتدعو للاعتراف بها من قبل المجتمع الدولي. صحيح أن ذلك يبدو سيناريو مستبعداً، لكن الجمعية العامة والنائبة العامة للبلاد وجدا منذ مدة أن مادورو انتهك الحكم الدستوري للبلاد. وإلى ذلك، فإن 17 بلداً مهماً عضواً في منظمة الدول الأميركية وقعت إعلاناً في أوائل شهر أبريل الماضي يشير إلى أن فنزويلا عرفت «تغييراً خطيراً للحكم الدستوري». وإذا مضى مادورو قدما في تنفيذ مخططه القاضي بعقد جمعية تأسيسة لإعداد مسودة دستور على النمط الكوبي، تلغي الجمعيةَ الوطنية المنتخَبة ديمقراطياً، فإن مشرِّعي الجمعية الوطنية أولئك لن تكون أمامهم خيارات كثيرة سوى اتخاذ موقف هجومي، وتعيين حكومة انتقالية، ودعوة البلدان الأخرى للاعتراف بها. وشخصياً، أعتقدُ أن اجتماع وزراء خارجية منظمة الدول الأميركية في كانكون شكّل هزيمةً لقضية الديمقراطية في فنزويلا. لكن اللعبة لم تنته بعد. فهناك مؤشرات متزايدة على انشقاق داخل النظام الفنزويلي، وغضب أميركي لاتيني متنام من وقف الحكم الديمقراطي في فنزويلا، واستعداد متزايد في الكونجرس الأميركي لقطع المساعدات للبلدان التي ما زالت تدعم مادورو. وبالتالي، يمكن القول إن هذا الفيلم قد بدأ للتو! *محلل سياسي متخصص في شؤون أميركا اللاتينية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «تريبيون نيوز سيرفس»