كتبت الأسبوع الماضي عن شرق أوسط جديد يتشكل في إقليم يفرض نفسه بكل ما يملكه من قدرات ومصادر، وما يعرفه من صراعات وخلافات ومشاريع متضاربة ومتناطحة... وقد شهدنا خلال الأسبوع الماضي تطورات متسارعة، منها: 1- تعيين الأمير محمد بن سلمان ولياً للعهد في السعودية، ما يعني مستقبلاً يرتكز على تنويع مصادر الدخل، وثبات وتحقيق رؤية المملكة 2030. 2- استمرار المواجهة بين الدول المقاطِعة وقطر وتقديم قائمة بالشكاوى المطلوب من قطر تنفيذها. وبرغم نشاط الوساطة الكويتية، فإنه لا يبدو أن اختراقاً ممكناً بين الطرفين. 3- تأكيد روسيا بدرجة عالية من الثقة مقتل زعيم تنظيم «داعش» أبوبكر البغدادي، في غارة جوية في سوريا الشهر الماضي. 4- شن طهران لقصف صاروخي باليستي من غرب إيران، خارج حدودها للمرة الأولى منذ نهاية الحرب العراقية- الإيرانية، على مقار لداعش في شرق سوريا، انتقاماً لما يُزعم، وسط تشكيك بذلك، أنه هجوم لـ«داعش» على البرلمان الإيراني ومرقد الخميني. ولا تخفى الرسائل وراء القصف الصاروخي الإيراني. 5- وصول قوات «الحشد الشعبي» لربط الحدود العراقية- السورية، بعدما كان تنظيم «داعش» قد نسف الحدود بين البلدين في عام 2013. 6- تضييق الخناق على«داعش» في الموصل في معركة الأمتار الأخيرة، وتصعيد الحرب ضده في الرقة في سوريا. 7- وصول الدفعة الثانية من القوات التركية للقاعدة التركية في قطر، ما يعمق أزمة الثقة بين قطر والدول المقاطعة، ويدخل طرف جديد (تركيا) كطرف إقليمي متدخل في الأمن الخليجي، بما يخدم مشروعه! وهذه التطورات المتسارعة في النظام العربي تضاف إلى حالة الإنهاك والتآكل وتصدع هذا النظام بدوله ومؤسساته، ويقابل ذلك صعود المشاريع المضادة للنظام العربي -مشاريع إسرائيل وإيران وتركيا. ويُضاف إلى ذلك أيضاً عجز النظام العربي خلال العقود الماضية عن بلورة مشروع عربي يحصن هذا النظام، ويعرقل طريق تشكيل نظام شرق أوسطي جديد، لا يخدم مصالح العرب. وتزيد من عمق الشرخ العربي أيضاً عودة روسيا للمسرح الشرق أوسطي قبل عامين، وصعود التنظيمات الإرهابية، وزيادة منسوب مخاطر التقسيم، ومخاطر الصراعات على وقع الصدع الطائفي والمذهبي، ما يعمق الشرخ في النهاية. وفوق هذا وذاك عجز المؤسسات العربية، ومؤسسة جامعة الدول العربية وقممها، عن لعب أي دور لوقف الانهيار العربي. وقد انتقلت عدوى العجز والجمود العربي إلى مجلس التعاون الخليجي، وهو أكثر أعضاء النظام العربي سلامة وتماسكاً وقوة، فإذا بموقف نصف دول مجلس التعاون الخليجي -السعودية والإمارات والبحرين، بالإضافة إلى مصر، يقاطع قطر بسبب مواقفها وسياستها ودعم الإرهاب، أفراداً وجماعات، وإيواء الإرهابيين- ومطالبة قطر بتغيير سلوكها الذي يهدد أمن الدول واستقرارها.. ما يُؤثر على دور وتماسك مجلس التعاون كمؤسسة وكيان، وخاصة مع تحمل المجلس الدور القيادي للنظام العربي بمسؤولياته وأعبائه، بعد تراجع مكانة وثقل بعض الدول المركزية في المشرق العربي، وتقدم الدول الخليجية لتنتزع الزعامة الإقليمية لتتبدل بذلك معادلة القلب والأطراف. وزاد الأمور تفاقماً تعمق ما يُعرف في حقل العلاقات الدولية بـ«الدول المفككة»، المتمثل في ضعف وعجز الحكومة المركزية في البلدان غير المستقرة عن تأمين الأمن والحماية والحفاظ على تماسك ووحدة الدولة، وتأمين الخدمات الرئيسيّة والتوظيف، في مقابل قوة المجموعات والتنظيمات العسكرية المسلحة، التي باتت في عدة دول عربية أقوى -عسكرياً وسياسياً واقتصادياً- من نظام الحكم ومؤسساته وجيشه. وبعضها انقلب على الحكومة المركزية -كالحوثيين في اليمن، والحشد الشعبي في العراق، وحزب الله في لبنان، ومليشيات إيران في سوريا. وهنالك مؤشرات كثيرة الآن على أن تنظيم «داعش» يلفظ أنفاسه الأخيرة في الموصل. وتزامناً مع معركة تحرير الموصل في العراق، تجري أيضاً معركة طاحنة أخرى لهزيمة «داعش» في الرقة، عاصمته ومركز ثقله وأهم معاقله في سوريا. وواضح من ديناميكية التغيير اليوم أننا نتحدث عن حالة سيولة إقليمية، وتغير للتحالفات، في عالم ما بعد «داعش» في العراق وسوريا، ويبقى الكلام عن بعض ملامح عالم المستقبل، ومستقبل مجلس التعاون الخليجي، ومؤشرات تشكل نظام عربي جديد! وللحديث بقية. ----------------- * أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت