لم نصدق أن ما كان يجري خلال ذلك الأسبوع، أو ما سُمي بحرب الأيام الستة، كان في الواقع هزيمة كاملة لتجارب النهوض العربية منذ ما قبل الحرب العالمية الثانية ومنذ الاستقلال والثورات الوطنية والانقلابات! ولهذا اعتبرنا هزيمة الجيوش المباغتة مجرد «نكسة»، كبوة عابرة أو عثرة، وأننا سرعان ما نستعيد القوة العسكرية، والروحية المتحدية، والإرادة السياسية، ووحدة الهدف.. ولكن هيهات! واليوم، من يصدق أن ذلك كله كان قبل نصف قرن، «حزيران الآلام والأحزان» ذاك، والأيام الحالكة الكئيبة التي لفّت العالم العربي، عندما انهارت القوى والأحلام من حولنا، فالنكسة لم تكن تعني فحسب هزيمة مفاجئة نكراء أمام إسرائيل، التي وجهت ضربة قاضية محكمة إلى كل تلك الجيوش والقيادات، بل وضعت كذلك نهاية للمشروع الكبير الذي كان يستقطب العواطف والأحلام بدولة «عربية قومية تقدمية حديثة».. تبخّرت بين ليلة وضحاها! تميزت «هزيمة يونيو» بأن مشاعر الفشل والألم، لم تكن لحجم دمار المدن أو عدد الضحايا من العسكريين والمدنيين، كما كان الحال مع اليابان وأوروبا وغيرها بعد الحرب العالمية الثانية. تقول الكاتبة «بسمة قضماني» في مقال باللوموند، يونيو 2007، «دفعت مصر أغلى ثمن (عشرة آلاف قتيل) في حين لم يتجاوز عدد الجنود السوريين والأردنيين الذين قتلوا الخمسة آلاف، مع العلم بأن العرب كانوا ليفضلوا خسارة رجالهم على خسارة أرضهم وكرامتهم». لقد ضاعفت الخسارة المحدودة فينا، مع سرعة الهزيمة شعور العار يومذاك. واكتشف العالم العربي الفرق الهائل بين الحلم والحقيقة، والقول والفعل، وضرورة التمييز بين التهديد والانتصار! كتب المؤرخ العسكري الإسرائيلي «أوري ميلشتاين» يقول: «من الخطأ اعتبار المعارك المفتوحة على ثلاث جبهات بأنها استمرت ستة أيام كاملة، في حين انتهت الحرب بالضربة القاضية التي حسمت مصير القوات الجوية المصرية خلال ثمانين دقيقة فقط! ويقول الكاتب «سليم نصّار» مضيفاً في الحياة، أن المؤرخ الإسرائيلي يرى كذلك «أن من الخطأ وصف الهزيمة الشاملة لثلاث دول عربية بأنها مجرد «نكسة» عابرة يمكن مداواة آلامها المبرحة بسرعة». السبب المباشر لاندلاع حرب حزيران، يضيف «نصّار» في مقاله: «لم يكن واضحاً تماماً: هل هو اعتراض عملي على إغلاق مضائق تيران ومنع السفن الإسرائيلية من المرور، أم هو احتجاج على طرد قوات الأمم المتحدة الموجودة في سيناء عقب الاتفاق الذي تم التوقيع عليه في نهاية العدوان الثلاثي 1956». عندما تصاعدت الأزمة عام 1967 قبل الحرب، وقبل تحديد ساعة الصفر، تقول الوثائق، قرر رئيس الوزراء الإسرائيلي الوقوف على آراء السياسيين والعسكريين بالنسبة إلى اختيار وزير الدفاع.. فنال «موشيه دايان» غالبية أصوات الجنرالات، وعهد إلى دايان تحديد موعد الهجوم، فلماذا اختار الساعة السابعة و45 دقيقة صباحاً، بناء على نصائح الطيارين؟ دايان علّل قراره بالأسباب الثلاثة الآتية: أولاً: لأن ضباب الصبح الذي يعطل الرؤية يكون قد تلاشى. ثانياً: لأن طياري سلاح الجو المصري يعودون من طلعاتهم الصباحية، ثم ينشغلون لمدة ساعة تقريباً في تناول وجباتهم. ثالثاً: لن يدخل ضباط القيادة إلى مكاتبهم قبل الساعة التاسعة صباحاً، الأمر الذي يحرمهم عامل التنسيق ويقود إلى البلبلة والفوضى. بعد أسبوع من وقف المعارك وتعدد الزيارات الميدانية إلى المناطق الفلسطينية والمصرية والسورية التي احتلتها إسرائيل تعجّل «أشكول» إقرار مستقبل المناطق المحتلة. وكان هذا التعجل خوفاً من أن يتم إجبار إسرائيل من قبل أميركا على إعادة المناطق العربية المحتلة، كما حصل في ختام حرب 1956، العدوان الثلاثي على مصر. في جلسات 18 و19 يونيو للحكومة الإسرائيلية صرح «دايان»: إنه التقى رؤساء البلديات ووجهاء فلسطين في رام الله ونابلس وجنين وغيرها وإنه «عاد أكثر تفاؤلاً». وزير الشرطة «الياهو ساسون» قال: قرأت الاقتراحات بشأن المناطق كلها، بالنسبة لمصر أنا لا يهمني أن ترضى بصنع السلام معنا أم لا، أنا أقول لها أريد ثلاثة أشياء من مصر: حرية الملاحة في القناة والمضائق، نزع السلاح عن سيناء، والفصل بينكم وبين غزة. وتساءل «أشكول» عن قطاع غزة والضفة الغربية فأجاب «ساسون»: «لست مؤيداً لضمهما إلينا. يوجد هنا مئات الألوف من الفلسطينيين، علينا أن نفتش عن حل مع الأردن بحيث ننقل إليه اللاجئين من غزة ومن يريد ذلك من القدس». وزير التعليم «زلمان أران»: أعتقد أن ضم الضفة الغربية سيكون مسألة مبكية لأجيال، إن عدد سكانها سوية مع غزة والقدس نحو 1.6 مليون نسمة. سنصبح أقلية، وهذا يعني أن الانتصار سيتحول إلى هزيمة للصهيونية». وقال وزير المواصلات موشيه كرمل: «أعتقد أن علينا أن ننشغل بالحرب المقبلة، العرب لن يقبلوا الهزيمة، وسيحاولون استعادة عافيتهم، لذلك أقترح أن نعمل كل ما في وسعنا لأن نتوصل إلى سلام»! خليل علي حيدر* *كاتب ومفكر- الكويت