حل مصطلح "السلطوية الناعمة" محل مصطلح "الديمقراطية النسبية" في وصف نظام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ولم يقتصر الأمر على ذلك، حيث أصبحنا نجد أن المدافعين عن بوتين، لم يعودوا يصرون على وصف روسيا بأنها دولة ديمقراطية، بل دائماً ما يقولون إن الظروف شديدة الخصوصية التي تمر بها روسيا تتطلب نمطاً خاصاً من الديمقراطية. علاوة على ذلك تحدث بوتين نفسه - كما قيل- عن "الديمقراطية على الطراز الروسي" وذلك رداً على مشاعر القلق التي أبداها الرئيس بوش بشأن التطورات السياسية الأخيرة التي جرت في روسيا، عندما التقى الرجلان في شيلي في شهر نوفمبر الماضي.
والديمقراطية على "الطراز الروسي" السائدة حالياً، هي طراز شديد الخصوصية من الديمقراطية في الحقيقة. فالتنافس السياسي استبعد منها، وكذلك الضوابط والتوازنات، كما تم إقصاء الشعب والحيلولة بينه وبين المشاركة الفاعلة في الحكم. وفي الحقيقة أن النظام الروسي، لم يعد يهتم حتى بالمحافظة على المظاهر الديمقراطية – ناهيك عن جوهرها- وذلك منذ أن قام بوتين بإلغاء نظام انتخاب المحافظين، وتحويله إلى نظام يقوم فيه الرئيس بنفسه باختيار هؤلاء المحافظين. والسؤال المهم الذي يترد الآن بشأن نظام الحكم الروسي هو: هل سيستمر النظام الروسي في أسلوبه "الناعم" في التعامل، أم أن ذلك الأسلوب سيزداد خشونة بالتدريج؟.
إلى جانب الحملة التي شنها بوتين ضد شركة "يوكوس" النفطية ومديريها، فإنه يدأب منذ مدة على التلويح بالقمع. فلهجته المتوعدة، والتهديد بالمحاكمات، وقيامه بتعيين أعداد متزايدة من رجال الخدمة السرية في المناصب الحكومية، بالإضافة إلى المثال الخاص بشركة "يوكوس"، أدت كلها إلى تخويف الصفوة في روسيا، وتطهير ساحتها السياسية من أية معارضة ذات شأن.
وفي الآونة الأخيرة أيضاً ظهرت دلائل أخرى على أن النظام قد يقدم على اتخاذ إجراءات أكثر خشونة، وذلك بعد أن تم القبض على عدد من المديرين والمحامين من المستوى المتوسط في شركة "يوكوس"، فيما يتصل بالقضية المرفوعة ضد الشركة وذلك في نهاية العام الماضي (كانت اثنتان ممن تم القبض عليهم بشأن تلك القضية من النساء: واحدة منهما لديها طفلان صغيران ولا تزال في السجن، في حين تم الإفراج عن الأخرى بسبب تدهور حالتها الصحية، وإن كانت الحكومة قد قامت بفرض قيود على سفرها وتحركاتها). علاوة على ذلك قامت المحاكم الروسية بإصدار أحكام طويلة بالسجن على الأستاذين الجامعيين "أيجور سوتياجين" و"فالنتين دانيلوف"، وذلك بعد أن لفقت لهما تهمة الجاسوسية.
كما تم الحكم على أعضاء مجموعة شبابية سياسية راديكالية، بالسجن لمدة خمس سنوات، وذلك عقب اقتحامهم لمبني حكومي، وتحطيم بعض الأثاث الموجود بداخله. كما تتم في الوقت الراهن محاكمة أعضاء آخرين من نفس المجموعة، وذلك بعد أن قاموا بعمل مماثل، ووجهت إليهم تهمة ارتكاب جريمة ضد الدولة، وهي تهمة قد تؤدي إلى الحكم عليهم بالسجن لفترات يمكن أن تصل إلى عشرين عاماً. وفي الحقيقة أن هناك القليل مما يربط بين تلك القضايا. فالقبض على موظفي "إيكوس"، والذي تم في الآونة الأخيرة، كان مبعثه في الحقيقة السخط الذي يحس به رجال الإدعاء الروس العاملون في قضية إيكوس، بسبب عجزهم عن إنهاء القضية، والعثور على دليل إدانة لرئيسها السابق "تيودور خودوروفسكي" المسجون حالياً، أو حتى دليل لأدانه الشركة ذاتها. ويذكر أن قضية إيكوس قد طالت أكثر مما كان يتوقع لها الكرملين، وهو ما أدى إلى إلحاق أضرار هائلة باقتصاد روسيا، وبسمعتها على الساحة الدولية.
أما فيما يتعلق بالقضية الأخرى الخاصة بالأستاذين الجامعيين "سوتياجين" و"دانيلوف"، فقد لوحظ أن الأستاذين قد حوكما من قبل هيئتي محلفين تم انتقاءهما خصيصاً. والحقيقة أن قضية "دانيلوف" بالذات، قد مثلت إخلالا سافراً بالقواعد القانونية، حيث تم الإفراج عنه، ثم أعيد القبض عليه، ومحاكمته أمام قاض جديد. والأحكام القاسية التي صدرت ضد الرجلين وهي 15، و14 سنة على التوالي، هي في الحقيقة رسالة من جهاز أمن الدولة يريد بها إظهار أنه المسيطر فعلياً على شؤون الحكم في روسيا. والأحكام القاسية التي صدرت بحق أعضاء المجموعة الشبابية السياسية الراديكالية المشار إليها آنفاً، تزامنت مع "الثورة البرتقالية" في أوكرانيا، وكان الدافع إليها على ما يبدو هو خوف حكام الكريملين من تعرض سلطاتهم للتهديد من قبل الجماهير الغاضبة.
ونظراً لأن النظام الروسي قد أغلق باب المنافسة السياسية، فإن المساعدين في الكريملين، أصبحوا يلجأون بشكل متزايد إلى وسائل ساذجة وغير فعالة في الحكم. وعندما تقود تلك الوسائل البدائية لحل المشكلات إلى الفشل والكوارث، فإن بوتين ومساعديه، وبدلا من أن يقوموا بإعادة التفكير في سياساتهم التي أدت إلى ذلك، يستسلمون للشعور بخيبة الأمل والغضب الشديد ويلجأون بالتالي إلى الانتقام.
إن تدمير شركة "إيكوس"، والتدخل الأخرق من قبل الدولة في شؤون الاقتصاد، والسياسة الكارثية التي اتبعها بوتين ب