منذ ثلاثة أيام مرت الذكرى الخمسون لحرب يونيو 1967 التي منيت فيها مصر وسوريا والأردن بهزيمة قاسية ما زلنا نعاني من آثارها حتى اليوم على أرض الضفة والجولان، وما زلنا نحاول تأمل أسبابها وتداعياتها واستخلاص النتائج قريبة المدى وبعيدة المدى التي ترتبت عليها. الإسرائيليون من جانبهم نصبوا هذا العام منصات الاحتفال بذكرى انتصارهم الذي حولهم من دولة ضيقة الرقعة إلى دولة وسعت حدودها في أرضنا. إنهم يحتفلون بما يسمونه يوم القدس وهو اليوم الذي احتلوا فيه القدس الشرقية في تلك الحرب والتي يصممون اليوم وبعد مرور خمسين عاماً على الاحتفاظ بها مع القدس الغربية التي احتلوها عام 1948 فيما يسمونه «القدس الموحدة» كعاصمة أبدية لإسرائيل! صحيح أن إحدى النتائج المباشرة للهزيمة العربية كانت حالة انتفاض في جميع دول العالم العربي قضت على حالة التشرذم التي كانت قائمة ومسيطرة على العالم العربي في الستينيات ووحدت الدول العربية في صف واحد للمعركة التالية، والتي جاء موعدها في أكتوبر 1973. غير أنه من الصحيح أيضاً أن حرب يونيو 1967 هي المسؤولة في التحليل الأخير عن تفكك حلقة الحصار على إسرائيل وتحويلها من دولة معزولة إلى دولة تقيم في عام 1979 معاهدة سلام مع أكبر الدول العربية وهي مصر تحت ضغط الاحتياج المصري لتحرير كامل سيناء، وهو ما لم تنجح في إنجازه حرب أكتوبر رغم كل عظمة الأداء العربي فيها، وذلك نتيجة للجسر الجوي الذي أقامته الولايات المتحدة لنجدة إسرائيل. لقد أدت تلك المعاهدة إلى عودة حالة التشرذم العربي لعقد كامل من السنوات وعزل مصر ونقل مقر الجامعة العربية من القاهرة إلى تونس. لا يمكن فصل هذه الوقائع التي جرت في المجال العربي عن حرب يونيو، فهي من نتائجها بعيدة المدى. أما في المجال الإسرائيلي فجاءت أهم النتائج المباشرة للحرب ممثلة في الآتي: 1- تثبيت حكم حزب العمل الإسرائيلي باعتباره صاحب الإنجاز العسكري وفي تحويل قائد الجيش الجنرال موشيه ديان، أحد أقطاب هذا الحزب، إلى نجم يفتن به الشبان الإسرائيليون ويقلدونه بوضع عصابة سوداء على إحدى العينين والتي كان يضعها ديان لفقده إحدى عينيه. 2- تفتح شهية أطماع التوسع الإسرائيلية في أراضي الدول العربية المجاورة ورفض أي محاولات للتسوية السلمية على أساس مبدأ الأرض مقابل السلام، سواء في حزب العمل اليساري الذي أطلق منه ديان شعار «شرم الشيخ من دون سلام أفضل لإسرائيل من سلام من دون شرم الشيخ»، أو في حزب ليكود اليميني الذي أطلق زعيمه مناحيم بيجين شعار «سيناء جزء عضوي من أرض إسرائيل وفيها سأتخذ مرقدي الأبدي وأبني فيها أرضي. أما على المستوى الأبعد فإن أهم نتائج حرب يونيو إسرائيلياً كانت كالتالي: 1- اهتزاز حكم حزب العمل بعد ست سنوات فقط من انتصاره نتيجة لعظمة الأداء العربي في حرب أكتوبر 1973 وشيوع مشاعر الهزيمة العسكرية بين الإسرائيليين والإحباط من أداء حكومة جولدا مئير رئيسة الوزراء ووزير دفاعها الجنرال ديان. لقد أدى هذا الإحباط في انتخابات عام 1977، أي بعد عشر سنوات من حرب يونيو، إلى صعود حزب ليكود اليميني لأول مرة في تاريخ إسرائيل إلى الحكم. 2- تولد لدى النخبة اليمينية الإسرائيلية الحاكمة، بقيادة بيجين، إدراك بأن إعادة سيناء إلى مصر مقابل معاهدة سلام سيزيح ضغوط الخطر عن إسرائيل ويمكنها مع الوقت من تحقيق وترسيخ أطماعها التوسعية في الضفة والجولان، وهذا ما نراه بأعيننا اليوم، ويحاول العالم العربي تغييره بالوسائل السياسية. 3- نشوء تحالف قوي بين قوى اليمين العلماني بقيادة ليكود وأحزاب وقوى اليمين الديني مع تراجع تأثير الأحزاب والقوى اليسارية في المجتمع الإسرائيلي.