بتنا نعيش اليوم في عالم مختلف ومتغير.. لم تعد التهديدات التي تواجهنا، كدول وأقاليم وكيانات وأفراد وشعوب، تقليدية وعسكرية، وتندرج تحت ما يُعرف بالتهديدات الصلبة التي يُستخدم فيها السلاح.. بل أصبح أخطر أنواع التهديد اليوم متمثلاً في تهديدات لا تُرى بالعين المجردة، وإنْ كانت تثير الفوضى والدمار، وتؤدي لإلحاق الأضرار بشكل غير مسبوق، ويرتكز معظمها على تسخير التكنولوجيا والعلوم الحديثة لتحقيق الأهداف. وقد أعلنت صباح السبت الماضي وزارة خارجية مملكة البحرين،? اختراق حساب «تويتر» لوزير الخارجية البحريني، وقال البيان «تود وزارة خارجية مملكة البحرين أن توضح بأنه قد تم اختراق حساب معالي الشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة وزير الخارجية على تويتر صباح اليوم (السبت) من قبل جهة إرهابية قامت بنسبة تغريدات ليس لها أي أساس من الصحة إلى معالي وزير الخارجية». وقد نشرت الجهة التي اخترقت حساب وزير الخارجية تغريدات مسيئة، قبل أن يتم استرجاع الحساب بعد ساعات من ذلك. وواضح من الجهة التي تقف وراء الاختراق من محتوى التغريدات التي حُذفت لاحقاً. والحال أن الاختراق الإلكتروني الذي يزداد شراسة وتنوعاً وخطراً، وتزداد وتيرته، بات عاملاً من عوامل التهديدات الناعمة التي تعصف بالدول والمجتمعات وحتى خصوصية الأفراد، ففي عالم «الديجيتال»، بتنا تحت رحمة التكنولوجيا بحلوها ومرّها! ولا يبدو أن أحداً بات بمنأى عن القرصنة والاختراق الإلكتروني في عالم تفقد الدبلوماسية والسياسة الخارجية والعلاقات الدولية فيه أحد أهم أركانها، وهو السرية. فمنذ إطلاق جوليان أسانج موقع «ويكيليكس» وكشف ملايين الوثائق السرية للخارجية الأميركية، ومراسلات مع سفرائها ودبلوماسييها حول العالم، ما تسبب في فضائح، والولايات المتحدة في حالة حرج شديد. وزاد الطينة بلة إدوارد سنودن، عميل الاستخبارات الوطنية السابق قبل أن يفر إلى روسيا الذي كشف المستور بتجسس أميركا على أعدائها وحتى بعض حلفائها المقربين! وحديثاً، تعرضت أيضاً حملة مرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون، وموقع اللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي، لاختراق إلكتروني تتهم فيه روسيا، بهدف التأثير على نتائج انتخابات الرئاسة الأميركية، لمصلحة منافسها مرشح الحزب الجمهوري الرئيس دونالد ترامب الذي فاز بفارق ضئيل لا يتجاوز 100 ألف صوت على كلينتون. وهناك حالياً 6 لجان تحقيق في الكونجرس ووزارة العدل الأميركية تحقق في مزاعم تدخل روسيا في انتخابات الرئاسة الأميركية، وهذا يحدث للمرة الأولى في تاريخ هذه الانتخابات الرئاسية التي تعتبر الأهم والأكثر تأثيراً على مستوى العالم! وهناك أيضاً اختراقات إلكترونية أخرى كثيرة في شتى المجالات، في عالم الطيران والبنوك وشبكات الكهرباء والمترو، والأخطر قد يأتي، وتتواتر التحذيرات منه، وهو مخاطر أي اختراق لنظم المفاعلات النووية. وفي صيف 2010 اخترقت الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، حسب إدوارد سنودن، دون تأكيد من طرف آخر، مفاعل بوشهر في ?إيران? بفيروس Stuxnet لتعطيله، وذلك قبل الاتفاق النووي! بإرسال فيروس اخترق نظام حواسيب محطة بوشهر النووية، بدلاً من قصف المفاعل النووي الإيراني. ولعل كثيرين يتساءلون الآن والحال هذه: ماذا يجري من حولنا؟ فقد أصبحت الحرب السيبرانية، والهجمات الإلكترونية، خطراً يهدد الأمن الوطني للدول والكيانات، وحتى الأفراد! وهناك تهديد غير ملموس من نوع آخر، مرتبط بتغير المناخ، وقد أثار الرئيس ترامب الأسبوع الماضي عاصفة احتجاج حول العالم بعد قراره انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق باريس للمناخ! وهو قرار مختلف عن مواقف بعض حلفاء أميركا، وتوصيات كثير من العلماء والباحثين وحتى الشركات الكبرى للعلوم وخبراء البيئة.. ولكن أميركا قررت في النهاية الانسحاب من ?اتفاق باريس الذي وقعته 195 دولة في عام 2015، ويهدف إلى الحد من الاحتباس الحراري، وإبقاء معدلات ارتفاع حرارة الأرض منخفضة، حتى لا تُهدد البيئة بالفيضانات بسبب ذوبان الجليد. وكذلك حتى لا يتفاقم زحف التصحر مما يهدد الأمن الغذائي لسكان العالم. والراهن أن تحديات كالاختراق الإلكتروني، وتغير المناخ، باتت عوامل مقلقة، وتشكل تهديداً مباشراً ومتصاعداً للأمن القومي للدول، وللعالم ككل، كما يؤكد ذلك خبراء الأمن الوطني، بما يوجب التحوط والاستعداد لها ومواجهتها. وهذا عهد جديد في تهديدات العالم. إنهم الأعداء الجدد.. غير المرئيين! فلنستعد لتلك الحرب ولهؤلاء الأعداء الجدد!