بعد أن فشلت محاولات قطر اليائسة لنفي التصريحات المسيئة لدول الخليج والمستفزة لوحدة البيت الخليجي، عززت كل الشكوك ضدها بتهنئة الإيرانيين والتواصل مع طهران في ذروة الغضب الخليجي من الدوحة تجاه سلوكها السياسي الشاذ والمعادي لجيرانها وثوابتهم وخطوطهم الحمر. وإمعاناً في الارتماء في أحضان أعداء أمن الخليج، تراجعت قطر عن لغة التهدئة فجأة، بعد أن علمت أن زمن خداعها لجيرانها قد ولى وانكشف. لذلك تجاهلت كل عبارات النفي وادعاءات الاختراق الإلكتروني لموقع وكالة الأنباء القطرية، وبدلاً من مواصلة العزف على أوتار النفي ذهبت الدوحة بشكل صريح إلى الاعتراف بأنها تمضي بسياستها في الطريق المعاكس لتوجهات المنظومة الخليجية. وتحت عنوان مستفز وتصعيدي اعترفت قطر في مادة تحريضية بائسة بأنها متورطة في تبني سياسة معادية لدول الخليج، وبدلاً من تهدئة الساحة الإعلامية الخليجية جاء الرد القطري على الإمارات والسعودية عبر إعلام الدوحة ليقول بأن قطر لن تغير ما تعتبره من أسس ثوابتها! ونحن نقول لقطر إذا كان تمويل وحماية وتجنيس قيادات الإرهاب الإخواني وفصائل التكفير والعنف من ثوابت قطر، فمن حق دول الخليج أن تتخذ كل التدابير اللازمة لتأديب من يعتبر أن دعم الجماعات التخريبية المتطرفة من الثوابت، وبالتالي لا عتب على دول الإقليم إذا ما سعت بكل الوسائل لإعادة قطر إلى رشدها ومنعها من استخدام أموال الشعب القطري لخدمة الإرهاب والتحريض ضد أمن دول مجلس التعاون الخليجي. ولن تعدم دول الخليج الكبرى الوسائل والطرق لتركيع قطر ووقف سلوكها المعادي لمستقبل الشعب القطري نفسه، فعندما تتجاهل القيادة مصلحة شعبها وتتمادى في توظيف الإمكانيات المالية والإعلامية لاختلاق الأزمات في المنطقة فإن تلك القيادة تضر بمصالح مواطنيها قبل أن تستفز الآخرين. وفي تاريخ قطر سوابق متكررة للفشل في جعل السياسة القطرية الداخلية والخارجية متوائمة مع مصالح القطريين، وليس سراً إذا ما أعدنا التذكير بأن مجاميع قطرية غادرت الدوحة في مراحل سابقة ووجدت الترحيب والأمان خارج بلدها. وبالتالي لن يتم السكوت بعد الآن على حماقات قطر التي طال أمدها. ولكي تفهم قطر جيداً أنها لا تستطيع الاستغناء عن محيطها الخليجي، يجب أن تعترف بحقائق الجغرافيا أولاً وقبل كل شيء. فمساحة قطر الصغيرة محصورة بين مياه الخليج العربي من جهة وبين الحدود البرية مع أكبر دولة خليجية رافضة لسياسة قطر، وبالتالي فالحدود البرية وكذلك المجال الجوي من وسائل الضغط التي لا يستبعد أن يتم اللجوء إليها إذا ما رفضت قطر العودة إلى رشدها وإعادة رسم سياساتها بالشكل والمضمون الذي يدعم أمن الخليج ويحد من التهديدات التي تتربص به. وإذا كانت الناقلات الجوية القطرية تمثل أحد روافد الاقتصاد القطري الذي تستخدم عوائده حالياً لتمويل تنظيمات الإسلام السياسي، فالإغلاق الجوي قد يوقف هذا التمويل ويؤدي أيضاً إلى حرمان قطر من استضافة كأس العالم لكرة القدم 2022. وكل الخيارات أمام دول الخليج متاحة لحرمان قطر من حالة الزهو الكاذبة التي تعيش فيها وتستغلها لتعكير الأجواء، والاستمرار في تبني الأوهام التي تعتبرها من الثوابت. يجب أن تعرف قطر أنها تخدع نفسها حين تظن أن محاولة ثنيها عن دعم الجماعات الإرهابية يعد تدخلاً في ثوابتها. لأن منطق الدول المعاصرة يخبرنا بأن ثوابت السياسة الخارجية يجب أن تتسق مع معطيات إقليمية ودولية، بعيداً عن الأهواء والميول الفردية. ويبدو أن قطر تعرضت لأكبر خدعة على يد الإخوان المتأسلمين الذين يبحثون عن حاضنة رسمية ومالية، ولتحقيق هدفهم الانتهازي أوهموا قطر بأنها تشق لنفسها طريقاً مختلفاً، بينما تحولت أموالها وأذرعها الإعلامية إلى غنيمة للتطرف، وحصدت مقابل ذلك خسارة محيطها الخليجي وتورطت في نشر الفوضى وتسليح الإرهابيين والطائفيين. هذا السلوك القطري المراهق سياسياً تم السكوت عنه حتى أصبح نهجاً لقطر التي تؤذي جيرانها وحلفاءهم، الأمر الذي يستدعي مواجهة عملية تتجاوز الانتقاد إلى العمل على لجم قطر ووقف تمردها على البيت الخليجي. ولم يعد هناك مجال لترحيل الأزمة كما كان يحدث في المرات السابقة.