عاد الرئيس دونالد ترامب مؤخراً من رحلة خارجية لمدة ثمانية أيام كانت هي الأفضل في أدائه منذ أن تولى الرئاسة. والسؤال الآن: ما الذي جعل رحلته تحظى بكل هذا القدر من النجاح؟ لعل من أسباب ذلك أن الرئيس ظل لأكثر من أسبوع لم يذكر «جيمس كومي» أو روسيا أو «الأخبار الكاذبة»! وبدلاً من ذلك، ألقى خطاباً في المملكة العربية السعودية، حظي بالثناء على نطاق واسع، حيث أشار إلى أن 95 في المئة من ضحايا الإرهاب هم من المسلمين، وحشد قادة 50 دولة مسلمة لمواجهة تهديد الإرهاب. وعقد اتفاق أسلحة ضخماً أيضاً مع السعودية، وأطلق بدايات تحالف إقليمي جديد لمواجهة «داعش» وإيران. وتعهد ترامب أيضاً بإطلاق جهود جديدة لإقامة سلام اسرائيلي- فلسطيني. وفي الفاتيكان، عقد ترامب لقاء ودوداً مع البابا فرانسيس. وكذلك حث الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي «الناتو» على الوفاء بالتزاماتها المالية تجاه التحالف. واستطاع بمهارة أن يسوي خلافاً دبلوماسياً مع بريطانيا بشأن ما قيل إنه تسريب من الولايات المتحدة لمعلومات استخباراتية حول تفجير مانشستر. وكانت النتيجة ملموسة. فقد قلت مآخذ المنتقدين على الرئيس لتقتصر على نشر تقارير كاذبة مفادها أنه لا يستخدم سماعة الترجمة (وهي بالفعل «أخبار كاذبة» هذه المرة)، وانتقاد لغة جسده في الصور الرسمية، وتكهنات حول ما إذا كانت السيدة الأولى قد أبعدت يده خلال مراسم الوصول. وتبدو هذه مسائل صغيرة وتافهة، بينما كان ترامب جاداً وموضوعياً ورئاسياً أيضاً. نعم، كان البعض من اليسار ساخطين بسبب رفض ترامب تأييد اتفاق باريس بشأن التغير المناخي وذلك خلال قمة مجموعة السبعة. وماذا في ذلك؟ لقد كانوا أيضاً غاضبين عندما انسحب الرئيس بوش الابن من المحكمة الجنائية الدولية ومعاهدة الصواريخ الباليستية. وإذا كان ترامب قد تعرض للهجوم بشكل هستيري لكونه محافظاً، لا بسبب تغريداته، فهذا لا يضره في شيء. والآن وقد عاد إلى واشنطن، يحتاج ترامب إلى أن يقرر: هل يريد أن تكون السنوات الأربع المقبلة مثل رحلته الخارجية الناجحة، أم أنه يريد العودة إلى مستنقع الجدل الذي تركه وراءه عندما أقلعت طائرة «إير فورس وان» متجهة إلى الرياض، في المملكة العربية السعودية؟ إذا كان يريد الخيار الأول، إذن فإن الجواب بسيط: الاستمرار في القيام بما كان يفعله أثناء الرحلة. وليس ثمة سبب يدعوه لأن يكون على أرض أجنبية فقط لكي يغتنم فرصة سلطته وعظمة رئاسته. وما كان ينجح في الخارج يمكن أيضاً أن ينجح هنا أيضاً في أرض الوطن. وإذا كانت واشنطن غابة، فعلى ترامب أن يكون ملك هذه الغابة بكل وحوشها. وهو بحاجة لأن يتوقف عن محاربة الحيوانات الأصغر. ومن بين أسرار الرئاسة التي كان ترامب بطيئاً في استيعابها أن المنصب يضفى نوعاً معيناً من العظمة على من يشغله. وهناك سبب يجعل استجابة الحزب المعارض لخطاب «حالة الاتحاد» دائماً ما تكون فاشلة مقارنة بالشيء الحقيقي. وأكثر لحظات ترامب نجاحاً -التي تتمثل في خطابه الرائع أمام الكونجرس، وترشيحه لـ«نيل إم جورسوتش» لرئاسة المحكمة العليا، ورحلته الخارجية- كلها جاءت عندما استوعب جلال المنصب الذي يتبوؤه. أما أسوأ لحظاته فهي عندما لا يفعل ذلك. ولذا ينبغي أن يكون الدرس واضحاً: ترفّع عن الانخراط في أي جدل عقيم، وتجاهل منتقديك، وركز على الجوهر، واستغل منصب الرئاسة لتعزيز أجندتك. انطلق في جولة لتسليط الضوء على إنجازات رحلتك الخارجية. قم بزيارة مصانع الدفاع التي ستوفر فرص العمل بفضل صفقة السلاح التي أبرمتها مع المملكة العربية السعودية. طفْ البلاد لتعزيز أجندتك، ولا تتطرق في الحديث إلى «كومي» أو التحقيق بشأن روسيا، ولا تحاول الإشارة إلى ذلك في مقابلة أو في تغريداتك على تويتر. إن ترامب ليس بحاجة إلى تكتيكات الحملة لتحقيق النجاح في البيت الأبيض. فمنصب الرئاسة أقوى من أي أدوات استخدمها للوصول إلى المنصب. إن الرئيس الأميركي بحاجة إلى التوقف عن التصرف كمرشح لمنصب الرئيس، وأن يبدأ في أن يكون ما هو في الواقع: رئيس الولايات المتحدة. مارك ثيسين زميل في معهد "أميركان إنتربرايز" وكاتب خطابات الرئيس السابق جورج دبليو بوش ينشر يترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست بلومبيرج نيوز سيرفس»