لا يوجد ثمة من طريقة صحيحة لمواجهة الإرهاب، وذلك لأن الفعل الشنيع الذي يرتكبه شخص يتصف بكل هذه القسوة والتعصب الديني والجنون، والذي يدفعه إلى تفجير قنبلة ضخمة ضمن حشد من الفتيات الصغيرات، يتجاوز كل المشاعر ومعاني الشرف، ويوحي بكل مؤشرات الغضب والحزن والخوف. وما من واحدة من هذه المشاعر تتفوق في شرعيتها عن غيرها، ولا يمكن للغة التي يستخدمها البشر أن تعبر عن حجم هذه الفظاعات. وبعد انتشار أخبار هذا الهجوم الذي شهدته مانشستر، كان بعض الناس يبكون، واكتفى بعضهم الآخر بالسباب، وشتم هؤلاء الأشرار، وكانت كل ردود الفعل مفهومة ومبررة. ولكن، لو أمكن تسييس كل هذه المشاعر القوية، أو لم يتم استغلالها في إثارة أعلى مستوى من الغضب الشعبي أو الهستيريا الغاضبة، فإن ذلك سوف يجعل الحال أكثر سوءاً. وفي هذه الحالة لن تبقى ردود الفعل محايدة أو طبيعية. ولا شك أن تفجير مانشستر هو عمل شرير ومتطرف، ولهذا السبب، فلقد أوحى لعدد من الكتاب والسياسيين والمشاهير البريطانيين بالدعوة إلى القيام بعمل متطرف آخر، رداً على هذا العمل الشنيع. وطالب أحد الصحفيين «باعتقال وحبس كل المشكوك بانتمائهم للجماعات الإرهابية من أجل حماية أطفالنا». ودعا سياسي سابق الحكومة إلى إعادة العمل بعقوبة الإعدام. وحتى قبل أن يتم التعرف على هوية القاتل، أو التأكد من ارتباطاته بتنظيمات خارجية، هاجم أحد المتضررين من التفجير المسؤولين الذين كانوا على حق عندما افترضوا أن الجاني متطرف إسلامي وقال: «في بريطانيا المعاصرة، يبدو كل إنسان مرتعباً من البوح على العلن بما نتبادله من كلام خلال أحاديثنا الخاصة. ونحن نرى كيف السياسيين يحرصون على القول بأنهم غير خائفين، إلا أنهم لم يكنوا ضحايا في أي يوم من الأيام، فكم من السهل أن تكون مطمئناً وأنت محاط بالحماية الكافية، إلا أن العامة من الناس لا يتمتعون بمثل هذه الحماية». ومن الواضح تماماً أن هذه التصريحات والمواقف مشحونة بالعواطف ولا تنطوي على أية فائدة في الواقع العملي. ومن أوضح الأمثلة على ذلك، هو الدعوة لإعادة العمل بعقوبة الإعدام. فما فائدة هذه العقوبة في منع الانتحاريين من القيام بأفعالهم الشنيعة طالما أنهم سيموتون في الحالتين؟ وماذا نقول عن اقتراح حبس كل المشكوك في انتمائهم للجماعات الإرهابية؟ خاصة وأنه سبق لبريطانيا أن حاولت مواجهة «الجيش الجمهوري الإيرلندي» بهذه الطريقة، وأطلقت عملية اعتقالات واسعة شملت أكثر من 350 «مشتبهاً بالانتماء للإرهاب» عام 1971، إلا أن النتائج التي ترتبت على هذه الحملة كانت كارثية بسبب الضرر الكبير الذي لحق بمصداقية الدولة البريطانية والنظام القضائي في إيرلندا الشمالية، لأن العديد من المحتجزين ثبت عدم ارتباطهم بالجيش «الجمهوري الإيرلندي»، ويضاف إلى ذلك أن حملة الاعتقالات الواسعة دفعت بأعداد كبيرة من الناس إلى التطرف، وأدت إلى تسجيل زيادة كبيرة في وتيرة العنف التي كان يشهدها الشارع البريطاني. وبدلاً من السعي لحل المشاكل، فإن «متعهدي» تقديم الحلول المأساوية أو رافعي الشعارات التي تثير المزيد من الشقاق ليسوا هم المؤهلين لمساعدة الضحايا ولا عائلاتهم ولا مجتمعاتهم. وليس في وسع هؤلاء وقايتنا من شرور الهجمات المقبلة، وهم لا يفعلون شيئاً أكثر من إثارة الهستيريا وتضخيم مشاعر الغضب وتعميق جذور الانقسامات الاجتماعية، وهذا هو بالضبط ما يريده الإرهابيون، وخاصة منهم أولئك المسلمين المتعصبين الذين نذروا أنفسهم لمحاربة الغرب، وهي الأيديولوجيا الخطيرة التي تهدف إلى إسقاط الأنظمة الديمقراطية وتقويض نظام حكم القانون والتسبب في حدوث هزّات سياسية كبرى في «العالم الحر». ويبدو أن من مصلحة الإرهابيين تقوية مشاعر الخصومة والتحزب. آن آبلباوم* *كاتبة أميركية حائزة جائزة «بوليتزير» ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوزسيرفس»