شرّفني الدكتور جمال سند السويدي، مدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، بالاطلاع على كتابه الجديد «لا تستسلم.. قصتي مع البشر والسرطان»، الذي سيصدر تحت عنوان «لا تستسلم.. خلاصة تجاربي»، وانفردت جريدة «الاتحاد» بنشره على ‏? ?حلقات، ?حيث ?يسرد ?فيه ?د. ?جمال ?سند ?السويدي ?خلاصة ?تجاربه ?مع ?البشر، ?ومع ?مرض ?السرطان، ?ويأتي ?على ?أدق ?التفاصيل ?في ?حياته، ?النجاح ?والفشل، ?الصحة ?والمرض، ?القوة ?والضعف، ?والهدف ?من ?كل ?ذلك ?هو ?زرع ?الأمل ?في ?الناس، ?أينما ?حلوا ?وارتحلوا. وهذا الكتاب ليس فقط صفحات من السيرة الذاتية للدكتور جمال سند السويدي، وإنما في نظري المتواضع هو مما ستتداوله الأمم وستشدّ إليه الركائب والرحال وستسمو إلى معرفته كل الأجيال وسيتساوى في فهمه العلماء في الداخل والخارج... ففي باطن الكتاب نظر وتحقيق ومسيرة رجل من كبار رجالات الدولة والمفكرين والاستراتيجيين، وتعليل للمجتمعات الحقيقية... ومبادئه دقيقة وعلم بكيفيات الوقائع وأسبابها عميق، فالكتاب عصارة فكر ومسيرة لرجل تخطى الأمراض والصعاب، فهو لهذا أصيل في الحكمة عريق وجدير بأن يعدّ في علومها وخليق. وإننا للأسف الشديد نرى في الوطن العربي رجالات كباراً لم يكتبوا في حياتهم مسيرة حياتهم المليئة بصفحات من التاريخ المشرق، ولكن الدكتور جمال استطاع بحدسه وبحركيته المعهودة إيفاء مسيرته حقها بعلم ودراية، فالتحقيق فيها كبير، وكتاب «لا تستسلم» استوفى علاج مسيرة الدكتور جمال حقها وأنار مشكاتها للمستبصرين وأذكى سراجها وأوضح بين كتب السير والمناقب طريقها ومنهاجها وأوسع في فضاء المعارف نطاقها وأدار سياجها. والأهم من ذلك كله هو طابعه البيداغوجي، بمعنى أن غاية الكتاب هي وضع باقة من الدروس والعبر لأصحاب العقول والأنوار. والدكتور جمال هو رجل الاستراتيجية، لأن أعماله كلها استراتيجية، ومسيرته مسيرة استراتيجية والمركز الذي يديره هو مركز استراتيجي، والأنشطة التي يقوم بها هي أنشطة استراتيجية... والاستراتيجية تُعنى بالمستقبل، وتحليل المشكلات وتجنبها، وتؤدي هذه المهمة من خلال تقويم دقيق للبيئة الاستراتيجية لتحديد وانتقاء العوامل الاستراتيجية الأساسية التي يجب أن تعالَج لخدمة مصالح الدولة بنجاح. ومن خلال تحليل هذه العوامل وتقويمها، فإن الاستراتيجية تُنتج بياناً معقولاً يتضمن الغايات والطرائق والوسائل التي تخلق تأثيرات تؤدي إلى المستقبل المنشود. وبذلك، فإن الاستراتيجية تخدم هدف السياسة، وتضمن المرونة والقدرة على التكيف، وتضع الحدود من أجل التخطيط السليم. وتتضمن الرؤية الشخصية لصانع السياسة، أو الخبير الاستراتيجي، نظرة موضوعية للبيئة الحالية، وتقويماً مسبقاً لنتائج الاستمرارية والتغيير داخل هذه البيئة، بصورة تضمن ازدهار بلاده في المستقبل. ومع أن الخبير الاستراتيجي يعترف بأن المستقبل لا يمكن التنبؤ به على نحو دقيق، فإنه يعتقد أنه يمكن التأثير فيه، وتشكيل ملامحه للوصول إلى نتائج أفضل. وقد واكبت أنشطة الدكتور جمال في العديد من محطاتها سواء في دولة الإمارات أو خارجها، ورأيت كيف أنه يتمتع بفراسة الاستراتيجي ويحمل في قلمه وفكره مشاكل وحلول الأقطار والأمصار، ورأيت كيف يجدّ ويشتغل بالليل والنهار، في تحد مطلق وشجاع لظروف الصحة، ولا يزيده ذلك إلا صبراً وإنتاجاً. وعندما يؤمن بفكرة ويرى أنها تحتاج إلى تعريف ودراسة، وإلى مناقشة وتنزيل فكري، فإنه من خانة الباحث يعقد لها اللقاءات والاجتماعات الفكرية لتحول إلى سياسات عمومية. ولا غرو أن سياسات عمومية ناجعة وبناءة تكون لصيقة بتواجد عقول استراتيجية متميزة، ومن هنا دعوة د. جمال الدائمة إلى الضرورة العلمية والفكرية والأكاديمية، والحاجة المعرفية، والانتهاج التوثيقي، التي تجعل‏? ?رجالات ?الفكر ?في ?الوطن ?العربي ?يساهمون ?في ?هذا ?الباب ?بكتب ?استراتيجية ?موضوعية ?في ?مجال ?العلوم ?السياسية ?والعلاقات ?الدولية ?والسياسات ?العمومية ?لجعلها ?مرجعاً ?يحتذى ?بتوفير ?المعلومات، ?وتحليلها ?تحليلاً ?علمياً ?واستقائها ?من ?مصادرها ?الموثوقة، ?وتقديم ?موادها ?بحرفية ?عالية ?ورفيعة ?المستوى، ?إضافة ?إلى ?وسمها ?بكاملها، ?بالشفافية ?والموضوعية ?والدقة، ?ليتيح ?المجال ?واسعاً ?ومطمئناً ?لمتخذي ?القرار ?في ?البلدان ?العربية ?وللباحثين ?والمفكرين، ?والاقتصاديين ?ورجالات ?الدولة، ?ومحترفي ?الدبلوماسية ?والسياسة، ?الرجوع ?إليها. ثم إن قضية جمع الجامعيين والأكاديميين مع المسؤولين في كل القطاعات والخبراء غير الجامعيين كانت دائماً في قائمة أولويات عمل د. جمال على خلفية مركزية وقوة هذا الجمع في التحليل المقنع واستشراف المستقبل وبناء وعي فكري جديد حتى نعيد النظر في بعض أوهام عقائد المراحل الماضية وندشن لحقبة من النظر الهادف تكون أجزل عطاء.