ما زال مفهوم حقوق الإنسان في العالم العربي مُلتبساً وتكتنفه العديد من التفسيرات والتأويلات التي تُبعد المفهوم عن أصله ونُبل قيمته. ولقد دأبت العديد من المنظمات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني شبه الحكومية، على عقد الندوات والدورات التي لا تؤصّل المفهوم الأساسي لحقوق الإنسان، بقدر ما تحاول «تفصيل» المفهوم حسب التوجهات الحكومية وحسب الظروف التي يعيشها كل بلد، بعيداً عن التعريف بالمصطلح، والذي شكّلَ أساساً للإعلانُ العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الأمم المتحدة عام 1948، والذي تقول مادته الأولى: «يُولد جميع الناس أحراراً متساوين في الكرامة والحقوق، وقد وُهبوا عقلاً وضميراً، وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضاً بروح الإخاء». وللأسف، فإن معظم الندوات والمؤتمرات التي تُعقد في الدول العربية لمناقشة حقوق الإنسان، لا تقترب من تفسير واضح ودقيق للمادة أعلاهُ من الإعلان، بل يتم الغوص في تفاصيل واتجاهات بعيدة عن ذلك المفهوم، بل قرأت تصريحاً لمسؤول في واحدة من اللجان الوطنية العربية لحقوق الإنسان، يقول فيه: «إن القيود على الحريات الفردية والجماعية، والتضييق على الطاقات الفكرية والقدرات الإبداعية للإنسان، والانتهاكات التي تمس حقوقه.. كلها تُشكّل عوائق أساسية تحول دون النمو الاقتصادي والتقدم الاجتماعي والتطور الحضاري». كلام جميل ومنمق، لكنه يناقض واقعَ الحال في معظم البلدان العربية! فهناك قيود على الحريات الفردية، إذ إن مُراقباً مَحدود الفكر والرؤية يُمكن أن يقتل كتاباً لمبدع وطني جاد ومخلص، أو يمنع مسرحية تناقش أوضاعَ الإنسان في قالب فني جميل ومبدع.. دون أن يُحاسبه أحد على فعله! وهذا يناقض الحديث الذي يتظاهر بالانزعاج من التضييق على الطاقات الفكرية بوصفه عائقاً للتطور الحضاري! ويتجنب أغلبُ لجان حقوق الإنسان العربية مناقشة قضايا كثيرة ذات طابع سياسي أو أمني، كما تتحاشى مناقشة أي قوانين مخالفة لمواد الدساتير، سواء فيما يتعلق بالحريات الشخصية أم الجماعية. ويتساءل البعض: أين حقوق الإنسان في كل من سوريا واليمن والعراق وليبيا.. أي الدول التي شهدت تحوّلات أو اضطرابات سياسية خلال السنوات الماضية الأخيرة؟ وهل ضمنت القيادات الجديدة في دول «الربيع العربي» حقوق الإنسان، أو عملت على تنقيح المواثيق والقوانين المعنية بحقوق الإنسان في هذه الدول؟ الشعب السوري يُقصف يومياً بطائرات سورية وروسية، وتهدم بيوته على رؤوس سكانها، ولا أحد يتحدث عن حقوق الإنسان في ذلك البلد المنكوب والممزق! بالطبع لا نستثني مناطق أخرى من العالم تنعم بالأمن السياسي والعسكري، حيث توجد دكتاتوريات بلباس ديمقراطي تحاول إقناع الجمهور بالتوجه الحضاري من الخارج، دون أن تكون حقوق الإنسان ضمن أولوياتها في الداخل. لن أتحدث عن ثقافة حقوق الإنسان، ومناهج التعليم التي يجب أن تعلّم النشء مبادئ هذه الثقافة، كي يكبر الطفل مدركاً لأبعاد حياته من كل النواحي. وأعتقد أن مناهج التعليم يجب أن تتضمن مادة «حقوق الإنسان»، اعتماداً على النصوص القرآنية والأحاديث النبوية وأقوال النخب من الأمة، وعلى المواثيق الدولية الصادرة في هذا الشأن، والتي واقفت عليها كل الدول المنتمية للأمم المتحدة. أما فيما يتعلق بحرية المعتقد والرأي، فطالما أدت الرقابة والرقابة الذاتية في كثير من الدول العربية، إلى منع مقالات لكتاب مخلصين لأوطانهم، في مخالفة واضحة لقوانين النشر وللمادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والتي تقول: «لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخُّل، واستقاء الأنباء والأفكار، وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت، دون تقيد بالحدود الجغرافية».