على مدى سبعين عاماً، منذ اجتماع الملك عبدالعزيز مع الرئيس فرانكلين روزفلت، والعلاقة بين الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية، تترسخ وتتجذر. وقد تعززت العلاقة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والحلفاء الخليجيين بعد قيادة عملية واشنطن عاصفة الصحراء وتحرير الكويت عام 1991. وكانت العلاقات الأميركية الخليجية خلال عهد إدارة الرئيس السابق باراك أوباما قد شهدت فتوراً في الثقة وتشكيكاً في مواقف واشنطن والتزاماتها، خاصة بعد التقارب الأميركي الإيراني على خلفية الاتفاق النووي. وتسعى إدارة الرئيس ترامب في أول زيارة له كرئيس للولايات المتحدة إلى الخارج، والتي تبدأ بالسعودية بعد أيام من الآن، إلى استعادة الزخم للعلاقات الأميركية الخليجية. وسيتم خلال هذه الزيارة عقد ثلاث قمم؛ ثنائية سعودية أميركية بين الملك سلمان وترامب (وستكون الأولى لترامب مع زعيم في الخارج)، تعقبها قمة خليجية أميركية (هي الأولى أيضاً بين قادة دول مجلس التعاون الخليجي والرئيس الأميركي الحالي)، تليها قمة ثالثة بين قادة الدول الأعضاء الـ41 في التحالف الإسلامي العسكري والرئيس ترامب، وذلك لتشكيل جبهة متراصة من تحالف الدول الإسلامية المعتدلة في الحرب على التطرف والإرهاب والعنف، وبذل المزيد من التعاون والدعم اللوجستي والمالي والأمني لإلحاق الهزيمة بتنظيم «داعش». ويأتي الرئيس ترامب إلى المنطقة، بعد العاصفة السياسية الداخلية التي أعقبت إقالة جيمس كومي مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) الذي يحقق في دور روسيا وما يقال عن تدخلها في انتخابات الرئاسة الأميركية لعام 2016، خاصة قرصنة النظام الإلكتروني لحملة هيلاري كلينتون كأحد الأسباب المحتملة لخسارتها الانتخابات. وهكذا يأتي ترامب في أول زيارة خارجية له، وهو مشغول بالشأن الداخلي، ليؤكد على تصحيح المسار وتفعيل التحالف التقليدي مع الحلفاء الخليجيين، منهياً التقارب مع إيران. وسيؤكد الرئيس ترامب الوقوف مع الحلفاء الخليجيين وتقديم الدعم لحماية المنطقة. لكن مما ينبغي قوله خلال هذه القمة أن دول الخليج تتحمل كامل تكاليف الأمن والدفاع والحماية، بما في ذلك صفقات الأسلحة والتنسيق والتعاون الأمني والعسكري والتبادل الاقتصادي واستثمارات الصناديق السيادية وتوفير القواعد العسكرية، دون أي تكلفة على دافعي الضرائب الأميركيين. ينبغي أيضاً التأكيد على أهمية ومحورية قيادة دول مجلس التعاون الخليجي للنظام العربي، فزيارة ترامب للسعودية والقمم التي يعقدها مع القادة الخليجيين والعرب في الرياض تؤكد على مركزية السعودية ودول الخليج من وجهة النظر الأميركية ذاتها، وذلك لترسيخ التحالف بين الطرفين. كما ينبغي التأكيد على دعم دول مجلس التعاون الخليجي لمقاربات ترامب تجاه إيران وأذرعها والحرب على الإرهاب ومواجهة تنظيم «داعش»، ومشاركة دول التعاون في الحملة العسكرية الدولية ضد التنظيم في سوريا والعراق منذ أغسطس 2014. وينبغي تأكيد الطرف الخليجي في القمة على تطابق مواقفنا مع أولويات إدارة ترامب في الشرق الأوسط، وضمنها القضاء على «داعش» في سوريا والعراق، ودعم معركتي الموصل والرقة، وتقليم أظافر إيران وأذرعها بالعمل على حصار ومعاقبة نظام بشار الأسد. على الطرف الخليجي أن يتعرف على مواقف إدارة ترامب، وكيف ستختلف عن مواقف سلفه أوباما في بلورة استراتيجية فعالة حيال تمدد إيران إقليمياً، بغية وقف أنشطتها المهددة للأمن والاستقرار ونشر الطائفية وبرنامجها النووي والصاروخي.. وعلى موقف هذه الإدارة من سوريا ومستقبل الأسد، وهل يتقاطع مع الموقف الخليجي في الدفع نحو حل سلمي لا مكان فيه للأسد؟ وماذا عن اليمن وعاصفة الحزم وإعادة الأمل وتفعيل قرار مجلس الأمن 2216، والضغط على الحوثيين وصالح لتطبيق القرار والمرجعيات ذات الصِّلة؟ وماذا عن تفعيل مكافحة الإرهاب التي يجب أن لا تقتصر على «داعش» و«القاعدة» و«النصرة»، بل تشمل جميع المليشيات، بغض النظر عن مرجعيتها ومذهبها؟ ينبغي توضيح الصورة الكبيرة لمقاربات إدارة ترامب تجاه تلك الأزمات، والتأكيد على أن إضعاف وإنهاك «داعش» بعد معركتي الموصل والرقة، دون هزيمة التنظيم كفكر، ينبغي أن لا يعزز من نفوذ إيران وحلفائها في سوريا والعراق. هذا ما ينبغي أن يسمعه ترامب، وذلك ما نتوقع سماعه منه. في السياسة أيضاً، مَن يلعب أوراقه بمهارة يمكنه تحويل التحدي إلى فرصة.