أثار انتخاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب مخاوف لدى البعض، لكن الولايات المتحدة تمتاز بمجموعة من «الضوابط والتوازنات» المؤسساتية التي يفترض أنها تحول دون امتلاك أي فرد لسلطة مفرطة. والسؤال، إذاً، هو ما إنْ كان هذا النظام سيحتوي بنجاح رئيساً كان قد أثار قبل تنصيبه قلق البعض. ومع بلوغ رئاسته علامة المئة يوم، يبدو من الواضح أن النظام يشتغل كما ينبغي، وباستثناء تعيين نيل جورستس في المحكمة العليا، فشل ترامب في الوفاء بأي من الوعود الرئيسية التي أطلقها خلال الحملة الانتخابية، مثل وقف هجرة المسلمين أو بناء جداره «الكبير الجميل». ولعل إخفاقه الأكبر كان محاولة إلغاء واستبدال قانون الرعاية الصحية «أوباما-كير» بآخر جديد اضطر الواقفون وراءه إلى سحبه لاحقاً بسبب نقص الأصوات. واللافت هنا أن غياب الفوز هذا حدث حتى في الوقت الذي يسيطر فيه الحزب «الجمهوري» على غرفتي الكونجرس والرئاسة. وثمة أسباب عدة لهذا الضعف، أبرزها جهل ترامب بطريقة اشتغال الحكومة الأميركية وافتقار المستشارين الذين اختار أن يحيط نفسه بهم للتجربة، فيبدو أنه قدم إلى الرئاسة وهو يعتقد أنه يستطيع إدارة البلاد بالطريقة نفسها التي كان يدير بها شركة، من خلال الأوامر التنفيذية، والحال أن النظام الأميركي يضع الكونجرس في مقعد السائق حين يتعلق الأمر بالمبادرات الكبرى، والرؤساء أقوياء فقط من حيث أنهم يستطيعون تشكيل تحالفات تشريعية. ولكن ترامب لم يفعل ذلك في قضية الرعاية الصحية، ومن غير المرجح أن ينجح بخصوص الإصلاح الضريبي أو البنى التحتية، ولكي يكون رئيساً يحظى بالمزيد من التأييد، سيكون عليه أن يسعى للتواصل مع الناس خارج حدود القاعدة الضيقة التي جلبت له الفوز في المجمع الانتخابي، تماماً على غرار ما نجح الرئيس دونالد ريجان في فعله. ولكن ترامب سعى إلى العكس من ذلك، حيث راهن أكثر على أنصاره وعمل ما في استطاعته لإضعاف الثقة في «الديمقراطيين» والمستقلين، وإذا كان ترامب يستطيع، نظرياً، تشكيل ائتلاف يشارك فيه الحزبان حول موضوع يعتبره «الديمقراطيون» مهماً مثل البنية التحتية، فإنهم في هذه المرحلة من المستبعد أن يرغبوا في إنقاذ ما يبدو أشبه برئاسة فاشلة. وبخصوص تعامل إدارة ترامب مع الحكومة، فإدارة ترامب لم تبدِ أي استعجال في تعيين مئات الموظفين متوسطي المستوى اللازمين لإدارة الحكومة، كما أعلنوا عن تجميد في التوظيف وسقف للرواتب، ويبدو أن الإدارة لا تدرك أن الحكومة الفيدرالية لديها في الواقع عدد أقل من الموظفين العاملين بدوام كامل مما كان عليه الحال في الستينيات، وهذا على الرغم من أنها تتعامل مع ضعف الأموال بخمس مرات. والواقع أن المجال الوحيد الذي يتمتع فيه الرئيس بسلطة التصرف بشكل منفرد هو السياسة الخارجية، ولئن كانت الخطوات الأخيرة بخصوص سوريا والصين وروسيا تشير إلى أنه أخذ يعود تدريجياً إلى الخط التقليدي الغالب في واشنطن بخصوص السياسية الخارجية، فإن التركة الأهم من ذلك قد تكون القدرة الغريبة للإدارة الحالية على تقويض مصداقيتها بنفسها، ولعل الخطأ الأخير حول ما إن كانت حاملة الطائرات «كارل فينسون» متجهة نحو كوريا الشمالية ليس سوى أحدث مثال. ولكن، هل تغريدة رئاسية على تويتر مثل سياسة أميركية؟ الواقع أن لا أصدقاءنا ولا أعداءنا يعرفون، والحال أن المصداقية مهمة للغاية في السياسة الخارجية، وإذا كانت الطريقة التي ستتكشف بها هذه التركة في الأزمات الحقيقية التي نواجهها في آسيا وأوروبا والشرق الأوسط غير معروفة في هذه المرحلة، فإن خطر أن تؤثر الولايات المتحدة سلبياً على الاستقرار العالمي، بدلاً من أن تعزّزه، حقيقي وموجود. فرانسيس فوكوياما أكاديمي أميركي، ومدير مركز الديمقراطية والتنمية وحكم القانون بجامعة ستانفورد ينشر بترتيب خاص مع خدمة واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفس