معظم الجدل السياسي يدور حالياً حول سؤال الهوية. والواقع أن السياسة تتعلق دوماً بالطبع بسؤال: من نحن؟ ففي السياسة يختلق أحياناً نوع من هوية الـ«نحن» التي هي أكبر من هوية الآخرين. وتجاوز المشكلات المترتبة على هذه الفكرة أو النظرة مرتبط بالعثور على وسائل للتواصل عبر تعريفات لا حصر لها عن أنفسنا ككوننا من السود مثلاً أو اليهود أو الذكور أو الريفيين وغيرها من التصنيفات الأخرى، للعثور على قاسم مشترك واحد على الأقل يدفعنا للعمل الجماعي، والانخراط الإيجابي في تيار المجتمع العام. ولكن وفقاً لبعض المعايير فإن الحدود حول من يمكن أن نقبلهم باعتبارهم «منا» أصبحت صارمة بشكل خاص في الوقت الحالي في كثير من المجتمعات. وعلى سبيل المثال، فقبل 50 عاماً كانت النسبة الأكبر من الأميركيين يسجلون أنفسهم باعتبارهم ديمقراطيين أو جمهوريين، لكن بالنسبة لكثير منهم لم يكن هذا جزءاً صلباً من هويتهم. بل كانوا ينتقلون في الغالب متى أرادوا للتصويت لمرشحين من الحزب الآخر. ولم تكن الهوية مجرد تصنيف «ديمقراطي» أو «جمهوري». وحالياً يسجل كثيرون أيضاً أنفسهم باعتبارهم مستقلين، ونسبتهم أكثر من النسبة التي كان أفرادها في الماضي يعتبرون أنفسهم جمهوريين أو ديمقراطيين، ولكن سلوك المستقلين حالياً بات أيضاً أكثر حزبية في الواقع. والمستقلون لا يتبعون تصرفات المستقلين الآخرين، بل قد يتصرفون كما لو أنهم ديمقراطيون أو جمهوريون مندسون. أما الناخبون المتأرجحون الذين قد يصوتون لمرشح من غير حزبهم فقد أصبحوا نظرياً جنساً شبه منقرض. وشيئاً فشيئاً تعززت فكرة الـ«هم» عند النظر إلى أنصار الحزب الآخر. وهذا ينقلنا، على وجه المقارنة، إلى المرشحة الرئاسية الفرنسية من اليمين المتطرف مارين لوبن. فالتحديد الصارم لـ«نحن» يمثل العنصر المحوري للهوية السياسية لدى لوبن. وقد أشارت الصحفية «سارة ميلر لانا» في تقرير لها في «كريستيان ساينس مونتور» إلى «موقف لوبن من الهوية القومية -الذي يريد منع عدد أكبر من الأجانب من الدخول والاندماج في بفرنسا- يلقى أكبر الصدى لدى أنصارها من أي قضية أخرى». وعلى نحو ما، فمن المعقول لأي سياسي يميني متطرف أن يحدد مفهوم «نحن» على أساس محددات وطنية. والواقع أن لوبن لا تخاطب ناخبين على أي حال في زيمبابوي بل في فرنسا. ولكن ما سبب تصاعد هذا المد القومي اليميني المتطرف؟ وكيف استطاعت لوبن أن تتقدم بحزب «الجبهة الوطنية» خطوات إلى الأمام لتصل إلى ما هو أبعد مما استطاع والدها جان ماري لوبن تحقيقه؟ وفي سياق آخر ولكن مشابه، لماذا اختار البريطانيون ترك الاتحاد الأوروبي في استفتاء يونيو الماضي؟ ولماذا فاز شعار ترامب «أميركا أولاً»؟ إن الإجابات المحتملة على هذا كثيرة ومتعددة الطبقات. ولكن إحدى أبسط الإجابات قدمها مستشار من عهد بيل كلينتون وهي شعار هذا الرئيس الأسبق في حملته: «إنه الاقتصاد يا غبي!» وقصة مأزق الاقتصاد في دول الغرب في السنوات الثلاثين الماضية تكشف عن تصاعد في أحوال عدم المساواة الاقتصادية. فقد انتشر الثراء في الغرب بشكل أقل تساوياً بكثير مما كان يحدث قبل عقود. وحين تتحدث لوبن إلى عمال مناجم سابقين في منطقة «ميتز» الفرنسية فهي تخاطب الخاسرين ضمن نسيج الاقتصاد الفرنسي. وحين يجذب ترامب أيضاً إليه الناخبين في الريف الأميركي، فهو بهذا قد اعتلى موجة استيائهم ليحقق النصر ويصل إلى البيت الأبيض. وتشير دراسات إلى أن الاستقطاب السياسي في الولايات المتحدة يمثل الآن انعكاساً لعدم المساواة. والظاهرتان، الاستقطاب وعدم المساواة، في تصاعد الآن مستمر بشكل كبير وغير مسبوق منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية. وإحساس المرء بأنه يخسر اقتصادياً من الطبيعي أن يقض مضجعه. وبإضافة الإحساس بأن الآخرين تتحسن أوضاعهم، في المقابل، وأن الأحوال غير عادلة ولا إمكانية لتعديلها، فكل هذا يؤدي إلى التمترس داخل شرنقة استقطاب «نحن» و«هم». وهذا يمثل وقود السياسة الشعبوية التي تؤدي إلى تفاقم الانقسام. وبهذه الطريقة تصبح الحكمة مهمة أصعب. والعدالة الاجتماعية تتحقق حين ندرك أن رخاء جيراننا قريب المنال منا نحن أيضاً. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»