لا نعرف ما إن كان دونالد ترامب قد تغير حقاً، ولكن الانطباع الذي يمكن أن يتركه لدى الناس عنه، سواء في الولايات المتحدة أو في بقية العالم، تغيّر كثيراً وتطور. ذلك أنه إذا كان ترامب لطالما انتُقد بسبب الطابع المتقلب لسياسته في الماضي، فإنه بات اليوم محل إشادة للحزم الذي أبان عنه من خلال قصف قاعدة «الشعيرات» السورية. والحال أن هذا القصف لم يفرز أي نتيجة ملموسة: إذ في ما عدا رد الفعل العاطفي والشعور النفسي بالرضا لرؤية بشار الأسد يُضرب، فإنه لم يتم إحراز أي تقدم على طريق إنهاء الحرب الأهلية السورية وإيجاد تسوية لها، ثم هل تندرج هذه الضربات ضمن إطار استراتيجي عام، أم أنها لا تعدو أن تكون مجرد رد فعل عاطفي وإعلامي على الفظاعات أججه استعمال أسلحة كيماوية؟ وعليه، فإنه من المثير للاستغراب مشاهدة إشادة عامة بهذه الضربات الصاروخية، في حين أن نتائجها غير ملموسة، وكان ينبغي إعادة وضع استخدام القوة ضمن إطار أكبر وأوسع. إننا لا نقصد بذلك القول إن استخدام القوة مرفوض دائماً، بل إنه يمكن أن يكون مفيداً جداً في بعض الأحيان، ولكنه يحتاج لمشروع سياسي جد واضح ومحدد. والحال أنه من غير المؤكد، في الحالة السورية، أن لدى دونالد ترامب مشروعاً، عدا ذاك المتمثل في التخويف والتذكير بطبيعته المتقلبة وغير القابلة للتنبؤ كشخص. وبالطبع، يمكن ربط هذا الأمر بإرسال حاملة طائرات إلى شبه الجزيرة الكورية، والذي كان الهدف منه هو تخويف «كيم أون». ولكن هل يمكن أن يقدم ترامب على تنفيذ ضربات ضد بيونج يانج أيضاً؟ الواقع أنه يجدر بنا أن نتمنى ألا يحدث ذلك، لأن التداعيات العالمية لذلك ستكون عظيمة جداً، سواء في شبه الجزيرة الكورية أو بالنسبة لليابان. ومن جهة أخرى، لا بد من لفت الانتباه هنا إلى أن كيم أون ودونالد ترامب يلعبان اللعبة نفسها: التظاهر بأنهما يستطيعان تجاوز الخط الأحمر، على الرغم من أنهما لا ينويان فعل ذلك في الحقيقة، ولكن لديهما مصلحة في أن نصدّق أنهما قادران على فعل ذلك. ويذكر هنا أن ترامب آثر ضرب أفغانستان على كوريا الشمالية، مظهراً بذلك أنه يمكن استخدام القوة ضد تهديد عدا ذلك موضوع الحديث. واللافت أن قدوم جنرالات إلى محيط الرئيس الأميركي من أجل توجيه السياسة الخارجية قوبل أيضاً بالإشادة والترحيب إلى حد كبير. ومن المفارقة مرة أخرى الإشادة بمثل هذا الأمر، وإنْ كان من الجيد والمطمئن أن يحل جنرالات يدركون ثمن التدخلات العسكرية من حيث الدماء والأرواح محل «ستيفان بانون» والآخرين، الأكثر تطرفاً بكثير، بل والمستعدين للذهاب في الأمور حتى النهاية مهما كان الثمن، بيد أن عسكرة الدبلوماسية الأميركية، وزيادة الميزانية العسكرية بـ10 في المئة، وتقليص ميزانية وزارة الخارجية... كلها أمور لا تبشّر بالخير ولا تبعث على التفاؤل إزاء ما هو آت. ولا شك أن الفضل في تجنب الأسوأ يعود إلى جنرالات يتمتعون بقدر أكبر من حس المسؤولية مقارنة مع نظرائهم السابقين، غير أنه يحق للمرء أن يخشى تولي المجمع الصناعي العسكري القوي جداً في الولايات المتحدة توجيه سياسة واشنطن الخارجية. والحال أنه إذا لم يقابَل ذلك بقوى موازية تشكِّل وزناً مضاداً وتُحدث نوعاً من التوازن، وخاصة في وزارة الخارجية، فإنه يمكن أن تكون له تأثيرات سلبية على المديين المتوسط والطويل. وكان الجنرال دوايت آيزنهاور قد انتقد تأثير المجمع الصناعي العسكري على السياسة الخارجية للبلاد عندما غادر السلطة في 1961. والحال أن تأثيره لم يزدد إلا قوة منذ ذلك التاريخ. وختاماً، فإن اللغط الذي أثارته الضربات الصاروخية الأميركية ضد سوريا يبدو غير مفهوم وغير مبرر: فصحيح أن تحرك ترامب كان قوياً، ولكنه لم يكن يندرج ضمن إطار استراتيجي عام وشامل، ثم إنه في وقت بات فيه المجمع الصناعي العسكري أقوى من أي وقت مضى في الولايات المتحدة، لنا أن نسأل: هل الزيادة المستمرة في النفقات العسكرية هي الحل المناسب للمشاكل التي تواجه واشنطن وبقية العالم؟ وألن يكون من الأفضل تخصيص ميزانيات لأغراض مدنية؟ ثم ألا تمثل ميزانيات البرامج والمساعدات الدولية التابعة لوزارة الخارجية الأميركية حقاً الطريقة الأنسب للإجابة عن التحديات التي تواجه الولايات المتحدة؟ وبالتالي، وحتى وإن كنا قد نشعر بالرضا لرؤية متطرفين يُبعَدون من واشنطن في مقابل الاستعانة بأشخاص أكثر عقلانية، فإنه يجوز لنا مع ذلك أن نطرح بعض الأسئلة حول العسكرة الحالية للدبلوماسية في البيت الأبيض. ولئن كان ترامب، الذي كان قد وعد خلال حملته الانتخابية بألا يكون رئيساً ذا نزعة للتدخل عسكرياً في بؤر الصراع عبر العالم، يعمل حالياً على تطوير سياسة مختلفة تماماً اليوم، فإن الشيء الوحيد المؤكد هو أنه مازال من غير الممكن التنبؤ بأفعاله. باسكال بونيفاس* *مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس