لا شك أنه كانت لدى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أسباب وجيهة للشعور بالسعادة الأسبوع الماضي. فقد لقي استقبالاً حاراً من قبل دونالد ترامب في البيت الأبيض يوم الاثنين، وذلك في تباين قوي مع موقف إدارة أوباما. ذلك أنه إذا كان أوباما وفريقه لم يترددا في الترحيب بتسلم «الإخوان المسلمين» مقاليد الحكم في مصر، وتخليا بسرعة عن الرئيس السابق حسني مبارك، فإن الإدارة الحالية تدرس ما إن كان ينبغي عليها أن تذهب إلى حد تصنيف «الإخوان المسلمين» منظمة إرهابية. إن مصر في حالة صعبة؛ ولتقويم نفسها، تحتاج لمساعدة الولايات المتحدة. فالسيسي يواجه الإرهاب في شبه جزيرة سيناء، إلى جانب ليبيا المقسمة التي قد تذهب في الاتجاه نفسه الذي ذهبت فيه الصومال واليمن، إن لم تكن قد فعلت ذلك. ولهذا، فإن مصر تحتاج لتحديث جيشها وتطويره. كما تحتاج لإعادة تأكيد قوتها في العالم العربي، بعد أن انتقلت من زعيم إلى متفرج خلال العقود الأخيرة، وهو أمر سيء ليس للقاهرة فحسب، وإنما لكل البلدان العربية، لاسيما في ضوء التدخلات الخطيرة لتركيا وإيران في العراق وسوريا. وأخيراً، فإن الاقتصاد المصري في حالة صعبة جداً؛ إذ لم تعد السياحة، التي تُعد مورداً رئيسياً للدخل، إلى التعافي إلا مؤخراً، وذلك بعد عدة سنوات عجاف أمسك خلالها الأجانب عن زيارة البلاد. ورغم كلمات ترامب المشجعة، فإن مقترح الميزانية الذي وضعته إدارته يقلّص حجم المساعدات المخصصة لكل البلدان تقريباً باستثناء إسرائيل. صحيح أن المساعدات المخصصة لمصر لم تقلَّص رسمياً، لكن ذلك مازال محل دراسة وتقييم. والحال أن خفضاً للمساعدات العسكرية الأميركية لمصر البالغة 1.3 مليار دولار سيكون مؤلماً بالخصوص لجيش ينخرط بقوة في محاربة الإرهابيين في سيناء، ويجب أن يظل متيقظاً للنزاع المتواصل في ليبيا المجاورة، ويجب أن يطوّر منظومات أسلحته وجاهزيته من أجل التقليل من وقع تجميد إدارة أوباما للمساعدات العسكرية لمدة عامين. وإلى ذلك، فإن حاجة مصر لزيادة المساعدات الاقتصادية قوية وملحة أيضاً. وبالنظر إلى أن مصر لم تتلق سوى 61 مليون دولار العام الماضي خارج المساعدات العسكرية، 16 مليون دولار منها كانت مخصصة لتشجيع الديمقراطية وحقوق الإنسان، و26 مليون دولار للدعم الاقتصادي المباشر، فإن أي تقليص للمساعدات سيُضعف مصداقية ما يدور من حديث حول اعتزام إدارة ترامب «بدء صفحة جديدة». وباختصار، فإن مصر السيسي بحاجة لزيادة المساعدات العسكرية والاقتصادية، وليس لتقليصها. والواقع أن العزاء بالنسبة للقاهرة هو أنه من المرجح أن تمويل مبادرات حقوق الإنسان المكلفة، التي تحوم حول فعاليتها الكثير من الأسئلة، لن يظل على حساب المساعدات الممنوحة لمصر. غير أنه إذا كان ترامب جاداً بشأن تطوير العلاقات المتينة التي تحدّث عنها بعد لقاء نظيره المصري، فإنه بحاجة إلى أن يفعل أشياء أكثر من أجل السيسي، وليس أقل، في مجال المساعدات الاقتصادية، مع الحفاظ على المستوى السابق من المساعدات العسكرية الأميركية. ولا شك أن مقترح ميزانية هو مجرد مقترح، والكونجرس هو الذي سيحدد حجم المساعدات التي ستتلقاها مصر في السنة المالية 2017، على افتراض أن السلطة التشريعية لن تتبنى قراراً إضافياً، بعد انتهاء القرار الحالي في الثامن والعشرين من أبريل الجاري. ومن الواضح أن أهمية عمل الكونجرس كان أحد الأسباب التي تفسر لقاء السيسي غير الرسمي مع مجموعة كبيرة من زعماء الرأي والحضور المكثف لزعماء منظمات أميركية فيه. ولا شك أن قيادة هذه المنظمات تستطيع تغيير موقف الكونجرس حيال المساعدات التي يريدها. وبشكل عام، يمكن القول إن الأسبوع الماضي كان أسبوعاً جيداً بالنسبة للرئيس المصري. ولعل حقيقة أن ترامب خص العاهل الأردني عبد الله الثاني بترحيب حار أيضاً، وتراجع على ما يبدو، بإيعاز من الملك، عن الموقف السابق غير المكترث بشأن بقاء الرئيس السوري بشار الأسد في السلطة، هي مؤشر على الانخراط المتزايد لترامب في المنطقة. ويمكن القول إن نتيجة هذين الاجتماعين مع زعيمين عربيين مهمين، تعكس على ما يبدو اهتمام ترامب المتزايد بجعل أميركا تسد فراغ الزعامة في الشرق الأوسط، الذي ورثه عن سلفه. ولا شك أنه كلما حدث ذلك بسرعة كان أحسن. دوف زكايم وكيل وزارة الدفاع في عهد إدارة بوش الابن ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»