هل المواجهة العسكرية بين الصين والولايات المتحدة حتمية ولا مناص منها، أم هي سيناريو بالإمكان تجنبه؟ هذا السؤال يستمد مشروعيته من مفهوم «فخ ثوسيديدس» الذي ابتكره جراهام أليسون، أستاذ العلوم السياسية بجامعة هارفارد ومؤلف كتاب «ماضيان نحو الحرب: هل تستطيع أميركا والصين تجنب فخ ثوسيديدس؟». العبارة تحيل على ملاحظات المؤرخ الإغريقي ثوسيديدس حول «الحرب البيلوبونيسية» التي جمعت بين إسبارطة وأثينا خلال القرن الخامس قبل الميلاد، حيث كتب يقول: «إن صعود أثينا والخوف الذي كان يثيره ذلك في إسبارطة هو الذي جعل الحرب حتمية». ويُعد أليسون أولَ من سكّ هذه العبارة، وقد سبق له أن كتب مقالاً شهيراً في عام 2015 حول هذا المفهوم في مجلة «ذي أتلانتيك» الأميركية، قال فيه إن المقصود بالفخ هو «المخاطر المحدقة عندما تنافس قوةٌ صاعدة قوةً مهيمنة، على غرار تحدي أثينا لإسبارطة في اليونان القديمة، أو تحدي ألمانيا لبريطانيا قبل قرن من الزمن». وقد وجد أليسون أنه في 12 من أصل 16 حالة مماثلة أحصاها على مدى الخمسمئة سنة الماضية، كان التسابق بين القوى المتنافسة ينتهي دائماً بالنزاع العسكري، معتبراً أن الحالة التي بين أيدينا (التنافس الصيني الأميركي) قد لا تختلف عن الحالات الاثنتي عشرة المشار إليها آنفاً، إذ يقول: «إن الصين والولايات المتحدة توجدان حالياً على مسار تصادمي يفضي إلى الحرب، اللهم إلا إذا اتخذ الطرفان إجراءات صعبة ومؤلمة من أجل تفاديها». وقد درس البحثُ الذي أنجزه أليسون وزملاؤه بجامعة هارفرد عدةَ حالات «شوّش فيها صعودُ دولة قوية على وضع دولة مهيمنة»، وخلص إلى أن «التوتر البنيوي الناجم عن ذلك يجعل من الصدام العنيف هو القاعدة وليس الاستثناء». لكن كتابه الجديد يشير إلى نموذجين فقط من هذه النماذج التاريخية حظيا بدراسة معمقة، وهما: الصدام الأصلي بين أثينا وإسبارطة، والتنافس البريطاني الألماني قبل الحرب العالمية الأولى (وهذا النموذج الأخير انشغل به هنري كيسنجر أيضاً). ومن بين النماذج الـ10 الأخرى التي يسوقها أليسون بإيجاز، هناك بعض الأمثلة المثيرة للاهتمام التي يمكن أن تكون مفيدة وملأى بالعبر، في حين تبدو أخرى أقل إقناعاً. ولعل أقرب نموذج شبيه بالوضع الحالي هو تحدي اليابان للهيمنة البريطانية والأميركية في المحيط الهادئ خلال النصف الأول من القرن العشرين وهو تنافس انتهى بالحرب في الأخير، كما هو معلوم. ولاشك أن الدور الذي لعبته القوةُ البحرية في ذاك التنافس، إضافة إلى الطريقة التي تطور بها التنافس الاقتصادي إلى نزاع عسكري، يحملان العديد من أوجه الشبه مع مسلسل تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة والصين اليوم. غير أن بعض النماذج التاريخية التي يشير إليها أليسون تبدو أقل تطابقاً مع مفهوم «فخ ثوسيديدس»، ومثال ذلك التنافس الذي كان قائماً بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي إبان الحرب الباردة، إذ من غير الواضح أن تلك الحرب كانت نموذجاً لتنافس بين قوة قائمة وأخرى صاعدة. ذلك أن كلاً من الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي كانا قد خرجا من الحرب العالمية الثانية منتصرين، وكلاهما أنشآ نظامين أيديولوجيين متنافسين ومناطق نفوذ في نظام ثنائي القطبية. ومن جهة أخرى، تمثل الحرب الباردة واحدةً من بين حالتين للتنافس يدرسهما أليسون وقد حدثتا بعد اختراع الأسلحة النووية. واللافت هنا هو أن أياً من التحولين الكبيرين على صعيد القوة العالمية، اللذين حدثا في عصر السلاح النووي (التحول الآخر الذي يشير إليه الكتاب هو صعود ألمانيا الموحدة) لم ينتهِ بحرب، وهو ما يثير سؤالاً حول ما إن كانت هذه الأسلحة قد أنهت نظرية «فخ ثوسيديدس»، على اعتبار أنها ربما تجعل من الخطورة بمكان ذهاب دولة صاعدة إلى الحرب مع قوة قائمة. والواقع أن أليسون لم يغفل عن هذا السؤال، ولكنه بالطبع سؤال صعب لا يستطيع أليسون تقديم إجابة قاطعة له. واللافت أيضاً أن معظم الباحثين الذين يدرسون التنافس بين القوتين الأميركية والصينية، ويحاولون تصور واستشراف شكل الحرب التي قد تندلع بينهما، يميلون عموماً إلى استبعاد أن يذهب أي من الطرفين إلى الحرب بشكل متعمد في عصر السلاح النووي. غير أنهم لا يستبعدون، بالمقابل، إمكانية وقوع اشتباك محدود، في بحر جنوب الصين مثلاً، قد يتطور بسهولة إلى شيء أكثر خطورة. وفي مقدمة قصيرة كتبها أليسون قبل انتخاب دونالد ترامب، كتب أليسون يقول: «لو كانت هوليود ستصنع فيلماً يجمع الصين والولايات المتحدة، فإنني أحسبُ أن القيّمين على اختيار الممثلين لن يجدوا ممثلين رئيسيين أفضل من شي جين بينغ ودونالد ترامب، وذلك لأن كليهما يجسّدان طموحات بلديهما العميقة إلى العظمة الوطنية». لكن الخطير في الموضوع ربما هو أن كلا الرجلين «ينظران إلى الدولة التي يحكمها الآخر باعتبارها العقبة الرئيسية في طريق أحلامها». محمد وقيف الكتاب: ماضيان نحو الحرب.. هل تستطيع أميركا والصين تجنب فخ ثوسيديدس؟ المؤلف: جراهام أليسون الناشر: هوتن ميفلن هاركورت تاريخ النشر: 2017